قد يبدع العاشق في وصف من يحب فيعمل على تحويل المشاعر والأحاسيس التي تتربع في خياله الخصب ويترجمها الى جمل منتقات وعبارات مختارة لتكوين صورة قد رسمت في القلب قبل العين وخطت في المخيلة قبل الحقيقة فينتقي وصفاً ينفرد به عن بقية الوالهين وينسكب من قلمه مداداً يختلف عن غيره من العاشقين.
تعج الذاكرة وتمتلى صفحات الكتب بمن تغنى وتغزل بالناصرية المعشوقة الجميلة فجرت على السنتهم أعذب الكلمات وأرقها وكلٌ منهم دلا بدلوه في بئر الأبداع فنهل العذب من فيض مشاعره الجياشه واسهب في المكتوب تودداً للملهم الذي أسر القلوب.
اما أنا فلربما أنظر للناصرية عاصمة الأمبراطورية السومرية من زواية أخرى وذاك لأني أرأها كابوس يؤرق ليل الطواغيت وخوفٌ يهز مضاجع الظالمين وجمر يحرق أقدام الجلادين ودم طاهر يفضح كيد السفاحين والمتسلطين وزلزال يُصدع عروش الجبابرة والأباطرة وصوت شجاع يصرخ بوجه الطغاة والقتلة.. والناصرية تحمل عنفوان الأسود الذي مرغل تسلط البعث وزبانيته في وحل الهزيمة والأنكسار، وصرخة مدوية كشفت زيف مدعي حقوق الأنسان..!
والناصرية حاضرة الشهادة وأشراقة العطاء ومنبع الرجال الاوفياء، تميز اهلها بالفطرة السليمة البيضاء والمواقف الخالدة في اغاثة المحتاج ومد يد العون والمساعدة لمن اراد.
فالناصرية قبلة وصلت الى ذروة المجد بالدماء، حتى أصبحت الرجولة والشجاعة ماركة مسجلة بأسم الناصرية الفيحاء.
والناصرية تفتخر بالكثير على سواها من المدن فهي عمق التاريخ ونشأة الحرف الأول ومهد الحضارات، أول التجمعات المدنية بدأت فيها، والأدب والشعر نشأ وانبثق من ربوعها، والرجولة والتضحية ولدت من رحمها، والشجاعة والفداء انطلقت منها.
فهي ناصرية أور وأكد والزقورة ناصرية الهور والقصب والبردي ملاذ المجاهدين وقبلة المشردين، ناصرية الفرات والمشحوف ناصرية إبراهيم الخليل ومحمد سعيد الحبوبي ومحمد باقر الناصري ناصرية دعوة الصدر وباقي الحركات الأسلامية ناصرية الحشد الشعبي والفتوة المقدسة ناصرية المواكب وايواء الزائرين ناصرية المواقف والوقفات الكثيرة على صعيد العطاء والبذل في سبيل الوطن فقد سطر رجالها الملاحم ونقشوا أسم مدينتهم على صفحات التاريخ.
مواقف رجال الناصرية وافذاذها لايمكن عدها واجمالها في سطور بسيطة، لكن ما علق في ذاكرتي للناصرية منها موقفان وليس في ذاكرتي فقط بل اعتقد أنهما خلداً في ذاكرة كل منصف لما لهم من علو كعب على الغير من المدن الأخرى وهذان الأمران مدعاة للفخر لكل من ولد على أرضها وترعرع بين ثناياها يشم نسيم جلابها وشرب من ماء غرافها وفراتها.
حقاً يدعوانه للفخر والعزة والشموخ والتباهي أولهما الوقوف بوجه ظلم جرذ العوجه مع علمهم ان هذا الوقوف سيدفعون ثمنه باهض وتجسد هذا الثمن على أرض الواقع بقوافل من الشهداء الأبرار وثانيهما وقفة الرجال الأبطال لتلبية دعوة المرجعية الرشيدة في الدفاع عن ذرات تراب الوطن والذود عن حماه وبالثمن الباهض نفسه.