ألشّبابُ و آلشّيبُ ألحقيقيّ:

كَتَبَ لي صديقٌ واصفاً “ألشّيب” و آلامهِ قائلاً:

[إشْتَعَلَ آلرّأسُ شيباً و تغيّرَ كلّ ما فينا .. تغيّرنا .. تغيّر لون بشرتنا, و لونَ شعرنا .. تَساقطَ زهرُ روضتنا .. تهاوى سِحْرَ ماضينا .. تغيّر كلّ ما فينا ..تَغيّرنا .. زمانٌ كانَ يُسعدنا.نراهُ آلآنَ يُشقينا .. و حُبٌّ عاشَ في دمنا .تَسَرّبَ بينَ أيدينا .. و شوقٌ كانَ يَحملُنا .. فتكسرتْ أمانينا .. و لحنٌ كانَ يبعثنا .. إذا ماتَتْ أغانينا .. تَغيّرنا .. تغيّرنا .. تغيّرَ كلّ ما فينا .. و لا أحدٌ سوى الله يُداوينا].

فأجبْتهُ قائلاً: أخي ألعزيز؛
ليسَ “آلشيبُ” كما وَصَفْت!
بل علاماتُ “ألشّيّب” ألحقيقيّة هي؛ موتُ ألقلبِ و نُضوب ألعِشقِ و موت آلبصيرة في وجود ألأنسان!

“ألشّيبُ” ألحقيقيّ؛ قد يُلازم آلشّباب و حتّى آلصّبيان إلى آخر ألعُمر وهم غافلون .. و قد يكون صاحبهُ بحقّ صبيّاً بسبب ألتّركة ألثقيلة ألّتي وَرَثها من والديه و أفعال و أعمال ألّذين تولّوا تربيتهِ و فعل و توجّهات النّظام آلسّياسيّ ألحاكم .. حتّى أماتوا في وجوده ألحبّ و آلحياة و آلأمل و آلعِشق و هو لمْ يزل طفلاً لم يبلغ آلحلم!

فموت ألضّمير و آلأنسانيّة .. أو سموّ آلضّمير و آلأنسانيّة .. في وجود أيّ كائن .. شباباً و شيباً إنساً أو جنّاً؛ هو آلمعيار لمكانتهم و ما يستحقونهُ في عالم ألوجود لنيل آلشّقاء في حال موتها أو آلسّعادة في حال إحيائها – أيّ إحياء القيم أو موتها!

و لا تعجبْ حينَ ترى مخلوقاً حتّى لو كانَ طيراً أو حيواناً أليفاً أقدر على بعث آلحُبّ و آلوفاء و آلحياة ألنّوعيّة .. من إنسانٍ مريضٍ تركتْ ألتّربية فيه أنواعاً من آلعُقد و آلمرض ببصماتٍ واضحة على محياه و سلوكه .. فأمسى خطيراً في مُجتمعه و حتّى عائلته و مع شركائه و زملائه ألمُقرّبين, بينما ذلك آلطير ألمُحب و آلحيوان ألأليف ألباعث للأمل و الحب فينا قد يكونُ مبعثاً حقيقيّاً للفرح و آلسّعادة و آلعطاء, بمعنى أشرف و أنبل منهُ بكثير!

تيّقَنْ يا أخي .. و مَنْ مَعَكَ مِنَ آلأخوة ألقُرّاء؛ بأنّكم مَتى مَا كُنتَم قادرين على آلحُبّ و آلعطاء و آلعشق؛ عشقُ آلجّمالِ؛ عشقُ آلوردِ؛ عشقُ آلطبيعة؛ عشقُ آلأنسانِ, فأنتمُ عندئذٍ شبابٌ حتّى لو جاوزتْ أعماركم آلقرن و آلقرون .. بل إلى آخر آلزّمان .. هذا إنْ كان للزّمن من آخر أو أوّل .. و آلسّر ألكامن في ذلك مُرتبطٌ بعشقِ الله آلّذي لا ينضب أبداً!

فلا عطاء .. و لا حبٌّ حقيقيّ إلا بآلله ألّذي وهَبَ آلقلوب ألعاشقة للوجود و للأنسان هذا آلسّر ألعظيم ألّذي لا يعرفه و لم يكتشفهُ للآن مُعظم ألبشر إنْ لمْ أقل كلّهم بدّقة و شفافيّة!

و ليس آلشّباب بآلقوّة ألجَسَديّة كما فهمهُ ألنّاس, خصوصاً ألعرب و ألعراقيون منهم .. لأنّ آلقوّة ألعضليّة و معها حتّى “أسلحة الدّمار ألشامل” محدودةً مهما بَرزتْ و طاشتْ, بلْ بإمكان رصاصةٍ صغيرةٍ أن تُودي بكلّ قوّتك و في لحظة واحدة!

فأنتَ مع آلعشق تبقى شابّاً مُخلّداً للأبد .. و مُقتدراً و بطلاً سرمديّاً في آلوجود .. فما مات أحدٌ أحْيا قلبهُ بهِ .. إنّهُ مؤكّدٌ خلودنا في هذا آلوجود.

إذن؛ ألشّباب ألحقيقيّ ألدّائم و آلسّعادة ألحقيقيّة ألدّائمة يا إخوتي؛ هي في قوّة و نظارة ألقلب و بصيرة ألأنسان و شَكْلِ آلأبتسامة ألجّميلة ألعطوفة ألّتي ترتسمُ على آلشّفاه و ملامح ألوجه .. و في آلكلمةُ ألطيّبة و آلنّظرة ألحنونة ألّتي يُحبّها آلنّاس .. خصوصاً؛ أصحاب ألقلوب من آلرّجال و ألنّساء ألّلواتي يَعرُفن أكثر منّا بشفافيّتها و معانيها و أسرارها و أبعادها, و لله في خلقه شؤون!

تحياتي لكُلّ ألعُشّاق ألمُعذبين من أهل ألقُلوب ألبيضاء في هذا آلزّمن ألمالح .. خصوصاً ذوي آلشّعر ألأبيض منهم .. ذلك أللون ألألهيّ ألنّاصع ألّذي ترتاح لهُ آلنّفوس و تسرّ ألقلوب .. و هو آلّلون ألّذي أكرمَ آللهُ بهِ نَبِيّنا إبراهيم عليه و على محمد و آلهِ ألسّلام .. بعد ما أخلصّ في عشقهِ لله تعالى!

و إعلم بأنّ جمال آلأبيض و آلآفاق ألمكنونة فيه يُضاهي جمال كلّ آلألوان ألأخرى خصوصاً ألّلون “ألأسود” ألقاتم ألّذي يقبض ألقلوب ألبيضاء بدكنته و دلالاته ألشّهوانية!

و شكراً للدّاركين قولنا من أهل ألقُلوب ألبيضاء و نُعَذّر أهل ألعقول و آلرّؤوس ألسّوداء!
فآلفروق كبيرة .. و كبيرةٌ جدّاً .. بين أهل ألقلوب, و أهل ألعقول .. أتمنّى أنْ تعروفها!؟

Comments (0)
Add Comment