سلسلة مقالات ما أوذي نبي مثلما أوذيت ح3 نماذج من أشكال الإساءة في العصر الحديث

 رواية آيات شيطانية:

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي حدثت جملة من الاساءات في مجال الإعلام اتخذت أشكالاً متعددة من الرواية الى الكتاب والمقال والفلم والرسوم ، وواحدة من تلك الاساءات هي رواية آيات شيطانية للروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي والتي صدرت في لندن في 26 أيلول 1988، وبعد 9 أيام من إصدار هذا الرواية منعت الهند سلمان رشدي من دخول أراضيها وتلقت دار النشر التي طبعت الكتاب الآلاف من رسائل التهديد والاتصالات التلفونية المطالبة بسحب الكتاب من دور بيع الكتب. وقامت بنغلاديش والسودان وجنوب أفريقيا وكينيا وسريلانكا وتايلاند وجمهورية تنزانيا المتحدة وإندونيسيا وفنزويلا وسنغافورة بمنع الكتاب، وخرجت مظاهرات تنديد بالكتاب في إسلام آباد ولندن وطهران وبومبي ودكا وإسطنبول والخرطوم ونيويورك. وتم حرق أعداد كبيرة من الكتاب في برادفورد في المملكة المتحدة في 14 كانون الثاني 1989 وصدرت فتوى من السيد الخميني في 14 شباط 1989 بتحليل دم سلمان رشدي وهاتان الحادثتان لقيتا تغطية واسعة من قبل وسائل الأعلام الغربية وتم اتهام المسلمين بالبربرية وعدم السماح لحرية التعبير نتيجة لهما.

الاساءة الموجودة في الرواية المذكورة هي تضمنها لفصل بعنوان ماهوند-وهو الاسم المسيحي لرسول الله في القرون الوسطى والذي كان يُقصد منه الإساءة-واستند رشدي في هذا الفصل في تصويره للأحداث على رواية المسماة برواية الغرانيق العلى والتي أوردتها بعض المصادر ومنها سيرة أبن إسحاق وضمن الفصل جملة من التجاوزات والادعاءات.

تم تكريم سلمان رشدي في حزيران سنة 2007 حيث منحته ملكة بريطانيا لقب “فارس” مما أثار ضجة جديدة في العالم الإسلامي. أدى ذلك إلى توجيه الانتقادات من بعض الدول الإسلامية لهذا الحدث حيث اعتبرته إيران “ضد الإسلام” أما في باكستان فقد أدان المجلس الوطني الباكستاني هذا القرار وطالب بريطانيا بسحب هذا التكريم فوراً، وقام اعضاء مجلس العلماء في باكستان برد فعل غريب وذلك بمنح أسامة بن لادن لقب “سيف الله”.

وتم تحويل الرواية الى مسرحية بنفس الاسم وعرضت في ألمانيا سنة 2008 ،لكن العرض لم يلقى الرواج الذي اراده منتجو العمل.

هذا وقد صدرت كتب في الرد على الرواية اشهرها كتاب الداعية احمد ديدات بعنوان “شيطانية الآيات الشيطانية”.

في 18 كانون الثاني سنة 2008 عرضت قناة MBC4 وهي احدى قنوات مجموعة MBC والمملوكة لرجال الاعمال والامير السعودي الوليد بن طلال عرضت فلم “مذكرات بريدجيت جونز” الامريكي المنتج سنة 2001 والذي يظهر فيه سلمان رشدي بشخصيته الحقيقية ويقابل بطلة الفلم الممثلة رينيه زيلويغر والتي تبدي سعادتها بمقابلته وتمتدح كتابه وتثني عليه ،وتم عرض الفلم لاحقاً على نفس قنوات المجموعة أكثر من خمسة وعشرين مرة ولازال يعرض بين الحين والآخر لحد الآن.

الاساءة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001:

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م برزت الولايات المتحدة كقطب وحيد تكاد تكون بلا منافس فظهرت عدة نظريات وكتابات تخمن او تتوقع لنوعية الصدام في هذه المرحلة كان اولها كتاب صدام الحضارات لصموئيل هنتغتون عام 1993 ومن ثم كتاب نهاية التاريخ لفرنسيس فوكوياما ،وتركزت اغلب الكتابات وقتها على اعتبار إن صداماً حضارياً هو من اهم ملامح المرحلة وإن الحضارة الاسلامية هي الحضارة المرشحة بشكل أساسي لخوض هذا الصراع مع الحضارة الغربية ،واعلنت كتابات أخرى ان الليبرالية الديمقراطية الغربية هي التي ستسود العالم وظهرت لاحقاً اراء تدعو للسعي لدمقرطة العالم.

كانت الولايات المتحدة قد دعمت واسست لنشاط المجاهدين العرب في افغانستان او الأفغان العرب والذين تبنى قسم منهم بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من افغانستان تشكيل تنظيمات جهادية كان ابرزها تنظيم القاعدة الذي أسسه اسامة بن لادن الثري السعودي المعروف ، وبدأت هذه التنظيمات باستهداف المصالح الغربية وبالأخص الامريكية في مناطق مختلفة من العالم منها تفجير سفارة الولايات المتحدة الامريكية في دار السلام في تنزانيا وفي نيروبي في كينيا في وقت واحد في السابع من آب سنة 1998م بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لدخول القوات الامريكية للمملكة العربية السعودية بطلب من ملكها.

وفي الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 شهد العالم تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك واستهداف مبنى وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون من خلال ضربها بطائرات مدنية مخطوفة، وتم نسبة التفجير الى تنظيم القاعدة، هذا هو السيناريو الذي عرضته الحكومة الامريكية ولكن هناك من يقول بوجود سيناريو آخر تدعمه الكثير من الادلة والشواهد وخلاصة هذا السيناريو تقول بأن التفجير كان مفتعلاً من قبل الحكومة الامريكية ،وقد ذكرت اغلب هذه الأدلة والشواهد في فلم وثائقي أمريكي بعنوان “تغيير فضاض” وأعلنت الحكومة الامريكية لاحقاً بدء ما سمته بالحرب على الارهاب والتي كانت من نتائجها احتلال افغانستان والعراق تباعاً.

بعد احداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 ظهرت الكثير من الكتابات التي تطعن في شخصية الرسول وصدرت العديد من الكتب التي اشتهرت وانتشرت لأسباب لا تتعلق بخبرة مؤلفيها في تاريخ الديانات وإنما نتيجة لمشاعر الغضب والكراهية تجاه المسلمين التي عمت العالم الغربي بعد تلك الاحداث ومن أشهر الكتب التي صدرت في تلك الفترة كتاب باسم “نبي الخراب” للمؤلف الامريكي كريك وين الذي وصف الرسول محمد بأنه قاطع طريق استعمل حسب زعمه البطش والاغتيالات والخداع للوصول إلى السلطة المطلقة.

فيلم الخضوع:

في سنة 2004 قامت أيان حرسي علي مع منتج الأفلام الهولندي ثيو فان كوخ بكتابة وتصوير فيلم الخضوع، وهو فلم قصير من 12 دقيقة قدم فيه المخرج تصور الكاتبة لرسالة النبي محمد للمرأة حيث قُدمت أربعة نساء على أنهن يمثلن الوضع الاعتيادي للمرأة المسلمة، ومن ثم قامت كل واحدة منهن بمخاطبة الخالق أثناء الصلاة. كانت كل واحدة منهن تلبس خماراً شفافاً من الأمام يُظهر أجسادهن الموسومة بالآيات القرآنية، مع خلفية ضخمة كتب عليها قرآن كريم بنفس الأسلوب الذي يكتب به في المصاحف وقد تم اختيار الآيات بشكل متناسق مع ما كانت تقوله النساء.وفكرة الفلم تدور حول الظلم الذي تتعرض له النساء في الثقافات الإسلامية حسب فهم الكاتبة.

الكاتبة أيان حرسي علي صومالية مسلمة سابقاً تحمل الجنسية الهولندية وعضو البرلمان الهولندي عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الهولندي، عرفت بانتقادها الشديد للإسلام والرسول صلى الله عليه وآله قامت وبالتعاون مع المخرج والمنتج ثيو فان كوخ انتاج فلم الخضوع.

في سنة 2004 صنفتها مجلة التايمز ضمن قائمة المئة الفرد الاكثر تأثيراً في العالم ،وفي شهر كانون الثاني 2006 منحتها مجلة ريدرز دجتس لقب أفضل شخصية أوربية لعام 2006 ، وفي شهر آيار من نفس السنة قدمت استقالتها من البرلمان الهولندي على أثر فضيحة ثبوت كذبها عند تقديم طلبها لموظفي الهجرة في هولندا وسحبت السلطات الهولندية جنسيتها فتوجهت الى الولايات المتحدة الامريكية وعملت في مؤسسة المعهد الامريكي وهو أحد مكاتب التخطيط وتقديم المشورة للرئيس الامريكي جورج بوش.

انتقد المسلمون الهولنديون الفلم بشدة وتعرض المخرج ثيو فان كوخ وهو حفيد شقيق فان كوخ الرسام الشهير تعرض للقتل على خلفية هذا الفيلم في 2 تشرين الثاني 2004 على يد محمد بويري، وهو مواطن هولندي من أصول مغربية ،وقام بويري بتثبيت بيان من 5 صفحات على صدر فان كوخ عن طريق السكين التي طعنه بها وفي البيان تهديد للحكومات الغربية واليهود وأيان حرسي علي كاتبة سيناريو الفيلم. تمكنت الشرطة من اصابة بويري بطلق ناري في ساقه وتم القبض عليه وحوكم في 26 تموز سنة 2005 بالسجن المؤبد وهي أقصى عقوبة في هولندا. وأدت هذه الحادثة إلى ضجة كبيرة ومناقشات حادة حول مصير أكثر من مليون مسلم في هولندا وبدأت بعض المنظمات تحذر مما أسمته “المد الإسلامي” في هولندا وكيف أن نسبة الولادة بين المسلمين هي أعلى من نسب غير المسلمين مما سيؤدي حسب تعبير تلك المنظمات إلى “جعل المواطنين الأصليين أقلية في المستقبل”.

وهذا الفلم هو الجزء الأول من سلسلة من ثلاثة أجزاء كان في نية الكاتبة والمخرج إنتاجها. وقد صنفته الجهات الفنية المختصة على إنه فلم رديء فنياً.

رشيد السراي

25/9/2013

Comments (0)
Add Comment