حرائق عراقية

 

الكاتب / علاء كولي

في يوم ساخن من أيام حزيران عام 2022، كانت النيران قد اندلعت في احدى المولدات الاهلية بشكل مرعب في وسط الناصرية، لتمتد الى الاسلاك الكهربائية حتى وصلت الى البيوت القريبة التي ملأها الدخان، ولم تتأخر فرق الدفاع المدني على الحادث، لكنها ما أن وصلت وفتح الرجال خراطيم المياه لإطفاء النيران، وجدوا أنفسهم عاجزون عن إطفاء أي شيء.

مضى على الحريق عدة ساعات، وفرق الدفاع المدني تواجدت بكثرة، حيث تم استدعاء عدد من الفرق من الاقضية والنواحي للمشاركة في اطفاء نيران المولدة، لكن دون جدوى، لكن يبدو أن احدهم اقترح على الاتصال بسيارة السلامة التابعة لشركة نفط ذي قار وهي عجلة تحوي على رغوة خاصة لاطفاء الحرائق، وخلال ربع ساعة من مجيئها أطفأت الحريق سريعا وغادرت بهدوء.

عند احتراق مركز النقاء في مستشفى الحسين في الناصرية في تموز 2021، عجزت فرق الدفاع المدني على اطفاء الحريق، ولأن البناء كان من مواد سريعة الاشتعال ولا يوجد مخارج اخرى فيه، أحترق المرضى وفقدنا العشرات، وبقيت أجهزة الدفاع المدني تحاول اسعاف أي شيء بأدواتها البسيطة.

في نيسان 2021، احترق مستشفى الخطيب في بغداد بسبب انفجار اسطوانة للغاز، لكن كما شاهد الجميع، تفحم الناس هناك، وعجزت فرق الدفاع المدني من السيطرة على الحريق وخسرنا عشرات الضحايا.

في أيلول 2023، كانت النيران قد التهمت قاعة الاعراس في مدينة الموصل وراح ضحيتها العشرات من الناس، في واحدة من ابشع الحوادث في العراق، حيث اخفقت فرق الدفاع المدني السيطرة على الحريق او انتشال الضحايا.

خلال العام الجاري، التهمت النيران 25 كلم من الحزام الاخضر شمال مدينة الناصرية، حيث تحولت المنطقة الى صحراء بعد أن كانت مصدات للعواصف والتي كانت قد شيدت في التسعينيات من القرن الماضي، لكن الدفاع المدني لم يتمكن من ايقاف الحريق الذي التهم كل شيء في طريقه.

حرائق اخرى كثيرة يعجز الدفاع المدني على مواجهتها، وهو مايشكل تحديا كبيرا لجهود الكوادر البشرية لدى هذه الدائرة التي لها علاقة بسلامتنا وهي تعمل باليات ومعدات بسيطة مقارنة بحجم الحوادث التي تحصل، وغالبا ما تقف هذه الفرق  مكتوفة الايدي حينما يكون الحريق اكبر من طاقتها الاستيعابية او اكبر من خطتها لاطفاء الحريق.

الأمر تكرر يوم 16 تموز الجاري، في مدينة واسط حيث اشتعلت النيران في مجمع هايبر ماركت وهو عبارة عن مبنى بخمسة طوابق، حيث مشاهد النيران والجثث وهروب الناس في مشهد مرعب للاهالي هناك، لكن المؤلم أكثر ان الدفاع المدني أظهر عجزه في السيطرة على الحريق.

حوادث الحرائق هذه وطريق التعامل مع انقاذ الارواح، تكشف لنا، كيف أننا متأخرين جدا في موضوع السلامة، وربما أن أخر شيء نفكر به هو سلامة الناس، الاسئلة التي تبدأ في التداول، هو كيف يمكن منح انشطة تجارية واقتصادية بهذا الحجم، رخصة بناء بدون الكشف عن السلامة فيها، لماذا لم يهتم احد لموضوع السلامة، كيف تم تمرير هذا البناء وبهذا الحجم وهذه الخسائر لكن لم يكترث احد لموضوع السلامة حتى حصلت الكارثة.

لكن متى نشاهد اليات تخصصية واكثر من نوع ومختلفة الاستعمال تكون بحوزة الدفاع المدني، ليس فقط ان نشاهد سيارات فيها ماء فقط وعند حصول حادث غالبا ماتتعطل خراطيم المياه.

تكرار حوادث الحرائق، يجب ان يحفز أجهزة الدفاع المدني في التفكير لإيجاد وتوفير اليات جديدة مختلفة الاستعمالات أو سيارات أوكسجين أو سيارة رغوة خاصة، صحيح هذه تكلفتها عالية، لكن حياة الناس أغلى من كل شيء، ما ذنب الناس الذين يجدون أنفسهم أنهم ضحايا وتحاصرهم النيران في مبنى يخلو من السلامة.

الغريب في اعلان اللجنة التحقيقية بحادثة واسط، أنها تحدثت عن المقصرين واوصت باعتقال المتورطين، ثم نشرت قائمة طويلة من المقصرين بموضوع الحادث، لكن اللجنة  ورئيس الوزراء ووزير الداخلية ومحافظ واسط ومجلس المحافظة لم يتحدث منهم أحد عن دعم الدفاع المدني وتوفير اليات جديدة له، وربما من تحدث قد يكون في حديث عابر.

الاكثر احراجا، هو منح رئيس الوزراء مبلغ 10 مليون لذوي الضحايا وهذا ما يجعل الامور اكثر سوداوية بالنسبة للناس الذين سخروا منه، وسخروا من المبالغ المالية.

من المفترض ان تكون هناك عملية إعادة تشكيل أو تهيئة  لأجهزة الدفاع المدني، من الموارد البشرية وليس انتهاء بالاليات.

من يهمل حياة الناس في مثل هذه الحوادث، بالتأكيد لا يكترث ماذا سيحصل في البلد، بل ليس له شأن في اعمار هذا الخراب، بل ليس له علاقة أو اهتمام بما يحصل، المسؤولية تغيب عن الحادث بالكامل، حيث لا أحد يتبنى الاخطاء التي حصلت وكانت نتيجتها ان هناك ضحايا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار