
اسرائيل تفرِّق… والمقاومة تجمع
كتب / د. محسن القزويني
لقد فعلت اسرائيل المستحيل حتى لا يلتقي شطري القدس الشريف في المسجد الأقصى في آخر ليلة من ليالي القدر، فوضعت الحواجز والموانع والقوانين الجائرة، لكن أخيرا اجتاز المقدسيون الحواجز وصلوا في المسجد الأقصى وخابت مساعي اسرائيل.
وكانت هذه الحادثة سبباً للكثير من النتائج التي لا تُعجِب الساسة الاسرائيليين، لكنها وقعت وأصبحت حقيقة ماثلة لعيان الجميع.
فقد تسببت أحداث القدس ليس فقط في توحيد المقدسيين بل تسببت ايضاً في توحيد فلسطيني 48 وفلسطيني 67 وانتشرت الاحتجاجات التي كانت مقتصرة على فلسطينيي الخارج إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 48 فانتشر الغضب الفلسطيني في اللد والرملة وحيفا وعكا وبئر السبع وام الفحم والناصرة وتحولت شوارع هذه المدن المحتلة إلى ساحات للمواجهة بين الشعب الفلسطيني والمستوطنين الصهاينة ومعهم القوات الاسرائيلية المدججة بالسلاح.
ان انتقال الانتفاضة الفلسطينية من القدس إلى هذه المدن لها أكثر من مغزى فقد برهنت ان الغضب الفلسطيني واحد سواءً في اللد أو القدس وليس هناك فرقٌ جوهري بين فلسطيني الداخل وفلسطيني الخارج في المشاعر الثورية والمواقف المبدئية من العدو الاسرائيلي، وفي أي يوم ينطلق الصوت الفلسطيني مزمجرا في القدس في اليوم التالي تسمع صداه في كافة المدن والبقاع الفلسطينية لتؤكد للشعب الفلسطيني من جديد انه قلب واحد و موقف واحد في معركته ضد الاحتلال، ومن طرف آخر شاهدنا كيف سارع القطاع لنصرة القدس فأمطرت المقاومة المدن الاسرائيلية بزخات من الصواريخ نزلت على رؤوس الاسرائيليين كالحمم وحولت نهارهم إلى ليل في الملاجئ وليلهم إلى نهار من وهج القذائف.
فقد حاولت اسرائيل ومعها دول اقليمية ودولية أن تقطع صلة غزة بالضفة الغربية والقدس وأن تحوّل البلدات الفلسطينية إلى جزر متناثرة لا يربطها شيء فهي تخشى اجتماع الفلسطينيين جغرافيا وسياسيا وقد غاب عنها ان جمرة الثورة متقدة في قلب كل فلسطيني ومستعدة للتحول إلى بركان كلما زاد بطشها وعجرفتها ضد الشعب الفلسطيني فقد عمت الاحتجاجات الضفة الغربية وقدمت 11 شهيدا تضامنا مع شهداء غزة.
وبالرغم من مساعي اسرائيل في فصل الدول العربية عن القضية الفلسطينية بانتهاج سياسة التطبيع والتحالفات والصفقات واتفاقيات الصلح مع دول الطوق لكن الاحداث الأخيرة بددت هذا الحلم الاسرائيلي إذ انتشر الغضب العربي كل المدن والعواصم العربية مطالبة حكوماتها بفتح الحدود أمام الجماهير العربية لتدخل إلى فلسطين دفاعا عن المقدسات والحرمات التي انتهكتها اسرائيل ولمؤازرة الشعب الفلسطيني الذي لازال يقاوم العدوان بما يمتلك من اسلحة، وقد شهدت الحدود الاردنية واللبنانية تدفق الآلاف من الجماهير العربية المصممة على مواجهة العدوان الاسرائيلي الغادر وتكاد الصواريخ المنطلقة من لبنان وسوريا أن تفتح جبهات جديدة بوجه العدوان الاسرائيلي، لقد خرجت القضية الفلسطينية من دائرتها الضيقة وقد عبرت الحدود لتصبح قضية كل عربي ومسلم بل كل انسان شريف وجد في اسرائيل القوة الغاشمة التي لا تعرف الرحمة والتي اعتادت على سفك الدماء وقتل الابرياء من الاطفال والنساء، ووجدت في ثورة الشعب الفلسطيني انبعاثاً جديداً للمطالبة بالحقوق المشروعة وهو المنطق الذي يسود العالم هذا اليوم جراء ما فعلته اسرائيل في حي الشيخ جراح بالأمس وما تفعله اليوم في سماء غزة من عدوان سافر وابادة جماعية للأطفال والنساء وتدمير للعمارات والاحياء السكنية الآمنة.
لم تشهد القضية الفلسطينية حتى الآن تضامنا عالميا واسلاميا وعربيا كما تشهده هذه الأيام، فقد اتخذت شعوب العالم قرارها ان تصطف الى جانب ثورة الشعب الفلسطيني وليس مع اسرائيل على رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة العبرية من أجل خنق القضية الفلسطينية تحت ذرائع اتفاقات السلام وصفقات الرخاء الاقتصادي وعمليات التطبيع التي أصبحت أضحوكة في زمن أصبح الصوت الفلسطيني أعلى بكثير من الصوت الاسرائيلي.