عصابات من النساء ومتاجرين ببيع العملة بالآجل يتحايلون على المواطنين في الناصرية

جريدة الناصرية الالكترونية/خاص:

بصوت خافت وقلق مستمر، يظهر على ملامحها ووجهها الحزين، وهي تستذكر محاولاتها الثلاثة في الإنتحار وإنهاء حياتها، ولكنها فشلت، مؤكدة على أن ذلك قد يتكرر في حال لم تستطيع أن تحل مشاكلها العالقة وتورطها منذ عدة أشهر مع عصابة نسائية تعمل ببيع الورق بالآجل وسط الناصرية.

تكشف أم مصطفى (45 عاما) وهي أم لخمسة أبناء عن تورطها مع عصابة نسائية منذ عدة أشهر، وهي تحاول الخلاص، ولكن شباك هذه العصابة قد دفع بهذه السيدة بأن تحاول إنهاء حياتها والهرب من جحيم الضغط الذي تقوم به بعد إستدانتها لمبالغ مالية بالآجل وبفوائد كبيرة أوصلها الحال لما هو عليه اليوم.

وفي غضون شهرين فقط أقدمت أم مصطفى على الإنتحار ثلاث مرات، حيث شهدت حالة الإنتحار الأولى رش نفسها بالنفط ولكن العائلة لحقتها، وفي الحالة الثانية، التي مضى عليها ثلاثة أسابيع فقط، أبتلعت كميات كبيرة من حبوب الضغط والجلطة والسكر من أجل تصفير ضغطها، ثم تتوقف حياتها، ولكنها نجت منها أيضا.

كيف بدأت الحكاية؟

أم مصطفى تحكي قصتها وهي لا تزال تعاني من صدمة حادثة الإنتحار الثالثة التي نفذتها قبل أيام، حيث لا يزال أثار العلاج واضحة على يديها، بعد أن قامت بشرب كمية كبيرة من المبيدات الحشرية، ولكن زوجها والعائلة لحقوا بها في اللحظات الأخيرة وأنقذوها.

تقول أم مصطفى وهي موظفة حكومية في مقابلة خاصة مع جريدة الناصرية الالكترونية،، أنها استدانت ما يقارب 40 ورقة (مائة دولار) لغرض حل مشكلة خاصة بها ولشدة حاجتها لمبلغ 5 ملايين دينار، أضطرت أن تأخذ الأموال من دلالة تقوم ببيع العملة أكثر من سعرها في السوق.

وتضيف، أن الدلالة قامت ببيعي المائة دولار بـ300 الف دينار عراقي، في حين يبلغ سعرها في السوق 120 الف دينار فقط، كنت مترددة ولكن وافقت في نهاية المطاف، وأن المبلغ الكلي يجب إرجاعه بالعراقي، أي أدفع أكثر من 10 ملايين دينار عراقي، ولكن المبلغ قد تضاعف بعد أشهر ليصل الى 160 مليون دينار، بعد تعثري في التسديد وتورطي مع دلالتين أخرتين.

وتؤكد أم مصطفى، بأن “المبالغ المالية وصلت لهذا المستوى بعد أن تواصلت مع دلالة تبيع بالورق الفائض وهي قامت بتحويلي لدلالة اخرى أخذت منها الأموال لغرض التسديد للدلالة الأولى، وبعد ذلك وجدت نفسي في حيرة من أمري في محاولة التوفيق بين التسديد بين الدلالات الثلاث.

عصابة نسائية

تؤكد أم مصطفى أنها أضطرت أن تتعامل مع الدلالات بعد أن تعرفت عليهن من خلال موظفات معها في الدائرة، بسبب الحاجة الماسة للمال لظرف طارئ، ولكنها إكتشفت أنهن عصابة بعدما عجزت عن توفير التسديد الشهري، الذي يتطلب أن تسدد ما يقارب المليوني دينار.

وتضيف أنها وطوال أشهر عليها أن تسدد من ديونها عبر راتبها بالكامل من احدى الدلالات ومن ثم تقوم بالاستدانة بنفس اللحظة من دلالة اخرى وبفوائد كبيرة، وبالتالي ظلت تتراكم هذا الفوائد الى أكثر من اللازم لتصل الى 160 مليون دينار عراقي، وفي حال عدم التسديد الشهري المتفق عليه مع الدلالات فأنهن يأتين الى الدائرة لفضحي وإحراجي والصراخ وسط الناس دون الاكتراث لما يحصل لي.

أضطررت للتنقل من دائرة الى أخرى بسبب ضغط عصابة الدلالات، ومحاولة الهرب منهن وعدم المجيء الى الدائرة واحراجي مجددا امام الموظفين، وحتى أنني تنقلت من بيت لأخر بسبب تلك الدلالات، كما تقول أم مصطفى.

قصص أخرى

ولم تكن حكاية أم مصطفى هي الوحيدة التي تتعرض لنصب وإحتيال من قبل بائعي الورق بالفائض، حيث أضطرت أم أحمد وهي سيدة من الناصرية الى تسجيل بيتها بأسم الدلالة بعد أن استدانت منها أموال بالفائض من أجل تعيين ولدها في الجيش، ولكن المحاولة انتهت بسلبها بيتها.

وفي الناصرية أيضا، أقدمت سيدة حامل على الإنتحار بعد حرق نفسها، هربا من ضغط عصابة الدلالات التي تطالبها بالأموال بشكل مستمر، وفي أحد أقضية ذي قار، أضطر أحدهم من بيع بيته وتسديد الذين يأخذ منهم أموال بالفائض.

وغالبا ما تحصل مشاكل عشائرية ومشاجرات مسلحة، بين بائعي الورق في الفائض يذهب ضحيتها عدد من الأشخاص، في ظل عدم وجود رقابة قانونية وحكومية كبيرة في هذا الجانب، الذي جعل منه يستشري بداخل المجتمع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وإقبال بعض ضعاف النفوس على إستغلال الناس البسطاء.

موقف القانون العراقي

يؤكد الحقوقي علي حسين جابر، بأن “قانون العقوبات العراقي، قد جرم بيع الورق بالآجل ضعف سعرها في السوق وفق مبدأ الفائض، وهناك قرار بهذا الشأن من مجلس قيادة الثورة المنحل، ولكن لا نعرف هل المحاكم تطبق قانون العقوبات أم قرار مجلس القيادة المنحل لاحتمالية الغائه ربما من مجلس النواب العراقي”.

ويضيف جابر خلال حديثه مع جريدة الناصرية الالكترونية، على “الأغلب أن مجلس النواب لم يصوت او يصدر قانون برلماني بشأن الغاء قرار مجلس قيادة الثورة، لكن الأكيد بأن قانون العقوبات العراقي النافذ يغطيها وفق المادة 648، ويعتبر القانون ان الجريمة من نوع الجنح، ولا تتجاوز عقوبتها الحبس لمدة سنة واحدة”.

طارئون على المهنة يستغلون الناس

ويقول أبو علي وهو صاحب محل للصيرفة بأن “موضوع البيع بالآجل معمول به منذ سنوات طويلة، ولكنه في غضون السنوات القليلة الماضية إستشرت وتحولت لظاهرة، لكن ليس كل محال الصيرفة المعتمدة يقومون بذلك، لأن لديهم التزامات قانونية ومتعلقات كثيرة ولا أحد يغامر في البيع بالآجل”.

ويضيف، “هناك طارئون على مهنة الصيرفة وبيع الورق، هولاء إستغلوا غياب القانون أو اقامة علاقة مع مسؤولين لحمايتهم لكي يستمروا بمشاريعهم، في الحقيقة أصبحوا كثيرين وأصبح من الصعب السيطرة عليها، وطبعا معروفين ممن يعمل في بيع الورق بالاجل لغرض الربع، حيث تصل ببعض الاحيان الى 250 الى 300 الف دينار للمائة دولار، وربما أكثر لأنه لا توجد قوانين او ضوابط تحد منها”.

ودعا أبو علي، الى “ضرورة أن يتم محاسبة هولاء وتفعيل قانون الجريمة الاقتصادية كونها تؤثر على الناس وأيضا تؤثر على عملنا في مجال الصيرفة الذي لا يخلو من المشاكل أيضا”.

كيف ينظر الدين لهذه الظاهرة ؟

التعامل مع الدولار له عدة أقسام، وأكثر من وجه، كما يقول رجل الدين، الشيخ وراد النصر الله، ومن أبرز الأوجه، هو التعامل معه كقرض وفي هذه الحالة أي ربح يؤخذ عليه يعتبر ربا،والحالة الثانية يتم استخدامه بالتشغيل، أي تشغيل الاموال في السوق ولكن بشرط أن يعمل، أي لو تم تشغيل 12 مليون وإعطائه من الربح 500 الف دينار، هذا يعتبر جائز، أي يحصل على ثلث أو ربع الربح.

ويضيف، الشيخ، “الحالة الثالثة، وهي بيع الدولار، قسم من الفقهاء، أمثال الحائري يرون بأنه لا يجوز بيع الورقة الا بمقدار صرفها الحالي، نفرض أن سعر الورقة اليوم في السوق 120 الف، لا يجوز أن تأخذ عليها درهما واحدا، لأنه من يراه من باب بيع الصرف مثلما اصرف الدينار الذهبي بعشرة دراهم لا يجوز أخذ درهما زائدا”.

ويتابع، “الفقهاء الاخرون مثل السيد السيستاني والشيخ الفياض يرون أن إختلاف الجنس يجوز البيع لانه الورق جنس والدينار العراقي يجوز، كبيع الثلاجة او طباخ وغيرها ولكن ما لم يصل الى حد الإجحاف، ولكن الإجحاف يبقى مفردة مطاطية في التفسير، لأنه من يحدد الإجحاف هل المواطن ام السوق، والمسألة الأخرى عند الشهيد الصدر الثاني والشيخ اليعقوبي  حددا مقدار الربح، من باب حفظ النظام، لأنه أطلاق اليد للمنتفعين والجشعين”.

ويضيف، “لدى سؤال سماحة الشيخ اليعقوبي عن باب زيادة نسبة الأخذ بالربح، ولكنه أجاب بالنفي بسبب ما حصل من بيع بيوت في قضاء الفجر في ذي قار بسبب هذه المعاملة، وهو تدخل في الربح، والصدر حدد الربح 5%، يعني اذا الورقة تباع على سبيل المثال بـ100 الف دينار، لا يجوز أن تأخذ عليها أكثر خمسة بالمائة”.

وتابع، الشيخ النصر الله، بأن “الشيخ اليعقوبي تدخل في أكثر من ذلك وبتفصيل أدق، حيث أكد بأنه اذا تم بيع المائة دولار لشهر واحد فقط، تؤخذ زيادة عليها فقط 3%، اما اذا كانت المدة من شهرين الى خمسة أشهر يأخذ 2% ونصف عن كل شهر، اما اذا كانت اكثر من ستة أشهر فسيكون الربح 2%، أما أكثر من ذلك فلا يجوز، وكل هذه الهدف منها حفظ النظام العام”.

أثار إجتماعية

وتشكل ظاهرة بيع الورق بالآجل في الاسواق العراقية بشكل عام أسواق الناصرية بشكل خاص، أثارا إجتماعية ونفسية كبيرة على العوائل التي تدخل في نفق شراء الدولار بالفائض لسد حاجتها، وهو ما يدفع احيانا الى حدوث الطلاق بين الزوج وزوجته أو الانتحار أو الهروب من العائلة أو بيع البيوت وغيرها من الأثار الاجتماعية الاخرى المؤثرة على النسيج الاجتماعي.

ولعل أم مصطفى، هي واحدة من أكثر النساء تضررا بعدما أقدمت على الإنتحار لاكثر من مرة، وربما هي تفكر اليوم للخلاص من حياتها بسبب الضغوط التي تمارس عليها من قبل العصابات النسائية والدلالات ومحاولتهن استفزازها وسلبها كل ماتملك، بعدما كانت حياتها هادئة ولم يصلها ضجيج الأموال الذي أربكها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار