بين الشرق و الغرب.. مفهوم الحرية الحديث

 

لست ابالغ ان قلت ان الحرية تعتبر احد اهم انجازات عصر التنوير، وليس تجنياً ان قلت ان مفهوم الحرية عندنا يعاني التباساً شديداً اضطرنا هذا الالتباس الى فهم ان الحرية تعني التحرر من القيود و المحددات الاجتماعية ما ادى الى نقوم دوماً بتوجيه سهام النقد و التجريح تجاه هذا المفهوم (الغربي) المهم، يقدم اريك فروم (عالم نفس الماني) رؤية نقدية دقيقة لمفهوم الحرية في بعدها السيكولوجي الاجتماعي و ذلك في كتابه (الهروب من الحرية) حيث يتتبع الظاهرة في المجتمع الغربي و ما ادته الى شعور الفرد بالعزلة و القلق ، فالحرية في مخاضاتها الاولى بحسب اريك نتجت حين شعر الفرد بعزلته عن الجماعة بعد حدوث تغيرات في جوهر الاقتصاد الغربي من زراعي و صناعي بسيط الى رأسمالي و صناعي كبير.
ثم يتتبع مخاضات الحرية في عصر الاصلاح الديني حيث بدأ المفهوم يتبلور اكثر ويناقش كذلك مفهومي السادية و المازوخية و يشبعهما بحثاً و يبين الصلة الوطيدة بين الحرية و شعور الفرد بالحاجة الى سلطة عليا يخضع لها (مازوخية) او فرد او مجتمع يستمتع باخضاعه و ممارسة تسلطه عليه (سادية).
يصل اريك الى جوهر الحرية برأيه و انه ليس التحرر من السلطة الخارجية او غيرها من السلطات التي تمارس علينا بشكل مباشر او غير مباشر بل الحرية هي الاستقلال مع انك جزء متمم للجنس البشري و ممارسة النقد (اي عدم التلقي دون وعي) دون ان تكون مملؤاً بالشكوك و ان تكون حراً و لكن ليس وحيداً (اي لا تشعر بالوحدة و الانعزال نتيجة تحررك) و عفوياً يفكر بروح ابتكارية و ابداعية و ليس مضطراً للتماثل مع مجتمعه تحت الضغط الاجتماعي (اي غير منساق خلف ما يفترض المجتمع بك ان تكون).
بينما يقارب الكاتب و المفكر الاصلاحي الايراني محمد مجتهد الشبستري مفهوماً جميلاً للحرية في كتابه (قراءة بشرية للدين) منطلقاً من حاجة الناس الى قناعة عقلانية و اخلاقية و وجدانية في وعي الافراد للقواعد و الضوابط التي تسير النظام الاجتماعي
و ان لا طريق سوى تفعيل وجدان الافراد لاحياء القيم الاخلاقية في المجتمع و ان هذه القناعة القائمة على اساس الوجدان تستلزم النقد و البحث و بالنتيجة تستلزم السير بطريق الاصلاح للوصول الى تلك القيم الاخلاقية و هذا يعني الحاجة الى الحرية لان من دونها لا يستطيع الانسان ان ينقد و يبحث و يتساءل لكي يصل الى القناعة ويصل الشبستري الى نتيجة ان القيم الاخلاقية تحتاج الى الحرية او (الحرية الخارجية) كما يعبر .
و يمكن القول بناءاً على فكرة الشبستري ان القيم الاخلاقية لا يمكن ان تفرض على مجتمع ما لانها لن تؤتي ثمارها فالحرية شرط اساسي لظهور القيم الاخلاقية و ليس كما يطرح في الافكار السائدة من ان الحرية تعني الابتذال و التحرر من الضوابط و النظم الاجتماعية.
ما ينبغي ان نفهمه ان مفهومات كالحرية و الديمقراطية و غيرها لا يمكن ان تُفهم فهماً طوباوياً كما نحاول دوماً من اجل ان نجد منفذاً لنقدها و التشكيك بها بل ينبغي تتبع المخاضات التي انتجتها و النظر الى معطياتها الحقيقية بتجرد لكي يكون التقييم قريباً من الواقع و مجدياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار