
تـــــاريخ حضـــــارة الهنــــد
حسن جوان صدر عن مؤسسة الفكر العربي كتاب جديد هو «تاريخ حضارة الهند»، وذلك في اطار سلسلة كتب «حضارة واحدة» المترجمة عن اللغات الاجنبية، وخصوصا الصينية والهندية والفرنسية والاسبانية. ويأتي الكتاب ليعمق معرفة القارئ العربي بالحضارة الهندية بجوانبها كافة وتعزيز التبادل الثقافي، وهو من تأليف المؤرخ الهندي البارز محمد مجيب (1902-1985م)، الذي اشتهر بدراسته شبه القارة الهندية. وقد قام بنقله عن اللغة الاوردية البروفسور محمد نعمان خان استاذ اللغة العربية في جامعة دلهي، وراجعه البروفسور زبير احمد الفاروقي، استاذ الادب العربي في قسم اللغة العربية وادابها في الجامعة الملية الاسلامية.
خفايا واسرار
واللافت في هذا الكتاب، هو المنظور الذي اختاره المؤلف للبحث في ثنايا الحضارة الهندية القديمة وخباياها. فهو لم يتوقف عند سرد الاحداث والوقائع، بل اثر التعريف بجماليات الحضارة إذا ما جاز التعبير، بوصفهاعلامات او دلالات عن حياة الشعوب. فقرأ ادوارا عدة لازدهار الفنون الجميلة وانحطاطها، متبينا خلال قراءته هذا الجمال بعيونه الخاصة وليس بعيون الاخرين. فالكتب، كما يذكر المؤلف، «لم تسجل الا ما شهده مؤلفوها او ما سمعوا عنه من غيرهم. وهذا يعني ان الكتب تحوي ما ظهر من امورٍ خاصة بالحضارات فقط، من دون ان تزيح الستار عن خفاياها واسرارها بالكامل. لذا علينا الا نعتمد على الكتب فقط، بل يجب ان نتيقن من ان هدف الفنون الجميلة هو ابراز انسانية الانسان وتصويرها، فهي وحدها تحمل مزايا الحضارة اصلا. وبهذا، سنجد ان كل أنموذج من نماذج هذه الفنون الجميلة هو كنز من المعلومات يبعث الحياة في تاريخنا، ويمكننا بفضله أن نقدر بصيرة اسلافنا واذواقهم تقديرا كاملا، بحيث يتضح لنا ان ايديهم البارعة تمكنت من اعطاء الاشياء التي لا حياة فيها شكلا يخلد تصورهم للحياة».
حياة الشعوب
وتنعكس منهجية الكتاب ايضا، عدا عن الدقة المتبعة في البحث، في ذلك الاجتهاد البحثي الحر اذا ما جاز التعبير. حيث يرد الآتي: «ما دامت الحياة سارية مستمرة ولم تبلغ منتهاها، فإن معايير الجمال واقداره ستستمر في تلقي الخواطر والمشاعر المتغيرة. ومن علامات حياة الشعوب ان يكون فيها اشخاص لا يرون الجمال بعيون الاخرين، بل يرونه بأعينهم، ويجعلون اعمالهم انعكاسا للاقدار الخلقية الجديدة والخواطر المتغيرة». لذا يشكك المؤلف في صحة المعلومات الواردة في المؤلفات اليونانية عن الهند، والتي تكتفي بوصف البلاد على أنها بلاد العجائب والغرائب، «لأن قصص القرود والافاعي والذهب والمجوهرات واللآلئ راقت لهم اكثر من حياة الناس اليومية»، ولان المحققين الاوروبيين اولوا بيانات الذين كتبوا عن الهند مثل «نياخوس» و»اونيسيكريتوس» و»اريستوبولس» أهمية كبيرة، فيما الحقيقة برأي محمد مجيب هي ان اليونانيين الذين جاؤوا الى الهند لم يستطيعوا ان يشاهدوا او يفهموا الا القليل.
مراكز حضارية
يظهر هذا الكتاب الموسوعي قدم العلاقة الدينية والحضارية التي قامت بين ما يسمى بالمشرق الاسلامي الحالي واسيا. فآثار حضارة العصر الحجري المتأخر موجودة من نهر النيل حتى هوانغ هو. وبينما كانت مصر والعراق والسند والصين الشرقية من اكبر مراكز الحضارة، شهدت اماكن مختلفة ايضا مظاهر التطور الحضاري. فمع كل اكتشاف اثري، تظهر العلاقات الوطيدة التي قامت بين مراكز الحضارة الاولى. ونظرا الى الخصائص المشتركة للمنتجات والتقاليد والمعتقدات والخط الشائع في ذلك العصر، بات يمكن القول ان الحضارة لم تكن خاصة بشعب او بمنطقة. فعبادة الارض بدت سمة مشتركة بين الحضارتين السومرية والسندية، والعلاقة التي تقوم بينهما تظهرها التماثيل الكثيرة التي وجدت في السند، فيما يشبه اله السند، جلجامش، البطل السومري الى حد كبير.