مشتركات المعرض العراقي في السويد

في مدينة مالمو السويدية، وعلى جدران قاعة أور الفنية، أقام الفنانان عبد الكريم سعدون وأحمد بجاي معرضهما الفني المشترك في العاشر من الشهر الماضي واستمر حتى نهايته، عرض فيه أكثر من خمسين عملا فنيا باتجاهين مختلفين وبطريقة تكاد تنطلق وفقا لمدلول لايتعذر علينا فهمه، تهيمن فيه هواجس الإنسان وانكساراته في تشكيل بنائي صريح يمارس امتلاك نضارته التعبيرية والجمالية في معمارية مألوفة لا تفترق هي الأخرى عن طرق المغامرة الأسلوبية والتقنية التي سبق لعبد الكريم سعدون أن بينها لنا في معارض سابقة.

أعمال عبد الكريم سعدون

يتجه الفنان عبد الكريم سعدون ضمن أنطقة بصرية تغامر في التشخيصية المعلنة فوق السطح التصويري، وهو يرينا تعاظما بنائيا يحيل عناصر الرسم إلى لحمة من حكاية لم تكن محدودة فهو يعلن عن ثيمته منذ الوهلة الأولى مركزا على مفهوم (صورة المهرج) وأقنعته الشكلية. وهذا النمط من التعبير المجازي يعلن بأن الإنسان المعاصر عليه أن يبحث عن حريته ليتخلص من حالة الانكسار المتكررة، وهو إعلان لمطارحة الفعل القسري السياسي ومن ثمة التمرد الاجتماعي من أجل استخراج قيمة الإنسان

الحقيقية.

ثيمة ما يتعرض الإنسان من ويلات وفرها لنا الرصيد البنائي الشكلي لعبد الكريم سعدون في أعمال فنية تعبيرية صرف تم الاشتغال عليها بمواد مختلفة «اكريلك» وأحبار صينية وأقلام ملونة على كنفاس وأوراق كارتون مقوى مع دفترين من الرسم وعمل نحتي رافق تلك اللوحات. وهو إشارة لإبداع فني يخضع لجميع مظاهر التغني بالفن الإنساني، وبقدر ما تنطوي ضراوة الدال فوق السطح التصويري على تجانس وخلفية تفرض نوعا من الثنائية الضدية (التهريج….مقابل المأساة) لتتمكن آليات الاشتغال بأن تحتفظ بطرائق رؤية بالغة التصور فعبد الكريم سعدون لا يشجع على إعلاء صوت الرثاء بتعبيرية تجتهد في إعطاء الشكل إغواء

صوريا.

إنما شدد على نزعة المهرج ولباسه وخطابه الصوري ليكون الشعور في مسك الحقيقة لحظة انتصار للحياة التي تحمل فرحا نهرع إليه بطفولة وطاقة حسية، ولكن ما يعظم من تلك اللوحات ليس هدفها وأخلاقيات البعد الإشاري في العمل الفني فحسب، وإنما كان للتقنية والتوليف البنائي وإخضاع النزعة الغنائية في وجه الخزانة الشكلية قدر واسع من تثبيت قوام شروط التخطيط لجماليات الشكل والمحتوى التعبيري. هنا في طرف المعادلة الاستعارية ثمة نسق رمزي يحمل خيالا وتصورا يتسع في حقول معرفية ينشد إليها هذا الفنان الذي تتماشى لوحاته مع بواعث داخلية تتغنى بالحرية وتعلو من قيمة الحياة .

لوحات أحمد بجاي

في المعرض ذاته ثمة أكثر من خمسة عشر عملا فنيا شاء له أحمد بجاي أن يزاوجه بآلية الاشتغال التجريدي المصغر فغالبا ما كانت قياسات لوحاته تتراوح ما بين 15 في 10 سم وبعضها تجاوز 20 في 14سم. وهي مصغرات تحمل مكونها الدلالة في طرائق تتخذ من الاعتزاز بالمكان تثبيتا لمسارها. وهذه النزعة التوصيفية تشتد في مخيلة أحمد بجاي بحدود معرفة مكان معلن وراسخ في الذاكرة ولكنه بعيد عن المشهد البصري .المستوى البنائي في السطح التصويري لا يرينا قدرة رسم تجريدي عالق في المثالية بل هناك عناية بطابع خطاب بصري يصعد من الشعورية وفرز جمالية توازن بين التسامي والنزعة الفردية التي تشتغل على تأكيد المكان خاصة بغداد بثقلها التراثي

والحيوي.

وعليه تندفع مصادر الذاكرة وخزينها المختلط فوق السطوح التصويرية لتتعالى رموز المكان وتأخذ غطاء ومظهرا يتيحان لهالة الإحساس أن تنشط وتجذب مساعي المعنى المعلن. واعتقد أن مهارة الرسم وإعادة فهمه عند أحمد بجاي لم تتردد في إبداء أشكال ملونة وبراقة تترك مهارتها البنائية، بل صعدت الذاكرة من وتيرة الرسم الغنائي، فحينما نشاهد تلامسا لونيا لا يتعارض مع ضروراته نتيجة الوظيفة المراد تكوينها، فإجراء هذا الفعل البنائي ما عاد منحصرا في إبداء ملاحقة الالتزام بالدرس الأكاديمي، بل أوجد هدفا آخر بتركيب متخيلة كان الحفاظ على وجدانيات مدلول العمل هو الهدف التصويري الذي سعى الفنان إليه، فماذا يريد بكل هذه الطاقة؟ التركيز على توثيق المكان وتضمينه في خطاب صوري جمالي يبعث على غواية واضحة دون أدنى شك، فالرسم لدى بجاي ليس ثراء مرئيا تقتضيه الحياة كلما ألحت الذاكرة على فرز متعالياتها العاطفية، إنما ثمة توازن نفسي وإنساني ثابت في إعلاء هذا الشعور يتطلع إليه الفنان ضمن حدود انسانية صرفة، وليست ذاتية فهو يمزج بين بساطة المعنى وتقنية اشتغال نافر والجامع بينهما نتائج الحقيقة التي تتغنى بالمكان وإرثه بل وخياراته الوطنية وأثره المتنوع. وهذه غاية رسومات احمد بجاي التجريدية كشف قيمة روابط المكان والحاجة لاستعادتها، ولو بطرائق الذهن والذاكرة، ان استدعى الأمر العودة إلى منابع العاطفة الأم التي تجاري فاعلية الرسم وما يحمله من مرجعية وذائقة جمالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار