
السينما الهندية أحبها الجمهور العراقي وبكى لمآسي أبطالها
نشرت وكالات الانباء خبرا، مفاده ان الجمهور الهندي، خرج متظاهرا احتجاجا على قرار ادارة سينما« مارتا مندير» في مومباي، بوقف عرض فيلم « صاحب القلب الشجاع سيفوز بالعروسة» بعد ان استمر عرضه اكثر من عشرين عاما، فتراجعت الادارة عن قرارها اذعانا لرغبة عشاق الفيلم المتيمين، هذه الحادثة احالتني الى تأثير الأفلام الهندية على وجدان جمهور السينما العراقي،
ظهر الفيلم الهندي كمنافس جديد، للسينما المصرية والاجنبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، اذ خلب ألباب الجمهور واستحوذ على اهتمامهم، لاسيما ابناء الطبقات المسحوقة وسكان «الصرايف»، الذين صدموا بجحود المدينة فوجدوا في حكايات الافلام الهندية، التي تجمع ما بين التراجيديا والكوميديا والرقص والغناء عالما سحريا يتحقق فيه المستحيل، فكان معادلا موضوعيا لقسوة الواقع واحباطه، ولو لساعة من الزمن!!
اجا .. اجا
شاعت الاغاني الهندية على كل لسان بدءاً من الاطفال ومرورا بالفتيان والمراهقين وحتى الكهول، يقول احسان عباس الخاشقجي ( من هواة جمع نوادر الافلام ) ان رواد السينما في العراق عشقوا الافلام الهندية، التي تتميز بقصص تحوي كل شيء:الصراع بين الخير والشر، غرام ملتهب، أبطال خارقون، فضلا عن الغناء والرقص بأداء نجوم يتميزون بحضور طاغ، فتحولوا الى ايقونات وراح الاطفال والشباب يقلدون حركاتهم ويرددون اغانيهم حرفيا، ويستشهد الخاشقجي بأحد المهووسين بالسينما الهندية، الذي « يحفظ معظم اغاني الافلام، التي عرضتها دور السينما في البصرة، على الرغم من تجاوزه الثمانين عاما، وكذلك الحوار دون ان يفهم معناه، وغالبا ما يقلد حركات الممثلين لاسيما الشعر، الذي يعوض تساقطه بحركة رأسه وهو يردد «اجا .. اجا».
اسطورة شامي كابور
ويستذكر الخاشيقي الذي يفخر بمشاهدته لمعظم الافلام الهندية التي عرضت في اواسط السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مجموعة من محبي الأفلام الهندية، في مدينة الصدر منهم شخصية طريفة يدعى فلاح ولقبه اهالي المحلة فلاح الهندي لقدرته على حفظ حوار الفيلم وأغانيه والحركات، التي يؤديها الممثلون، ومنهم الاسطورة شامي كابور، المعروف بوسامته وقده الممشوق وعينيه الخضراوين وشعره «السبل «، الذي يحركه بكل اتجاه ، و المفارقة ان هذا الشخص يشبه الهنود في كل شيء، فهو فارع الطول نحيل، وشعره فاحم السواد ودهني ، وكان يردد اغاني كابور مع الحركات بمناسبة وغير مناسبة، عهد ذاك من الصعوبة الحصول على ثمن تذكرة الذهاب الى السينما، لذا خوله شباب المنطقة لمشاهدة كل فيلم هندي جديد يعرض في بغداد، وذلك بان يجمعوا له مبلغ ربع دينار يغطي ذهابه وايابه وثمن التذكرة مع «ماعون» فلافل من مطعم ابي سمير و«بارد» ، ثم ينتظر الجميع عودته ليقص عليهم احداث الفيلم، متخذا من
المقهى، التي تتوسط المحلة مكانا، لسرد ما رآه مقلدا حركات البطل، وهو يغني او يرقص وبلغة هندية فصيحة!! وكان مخلصا في ادائه واحيانا يتقمص الشخصية الى حد انه يتمرغ في التراب، او يقوم بحركة عنيفة، مانحا المتعة والفرح لجمهوره.
ام الهند
ويرجع الخاشقجي الذي يتمتع بذاكرة حية تنبش في ادق تفاصيل الزمن الجميل، ولع البغداديين لاسيما ابناء المناطق الشعبية بالافلام الهندية لقرب مواضيعها من واقعنا ، وفيها تجد كل شيء من غناء ورقص ومعارك وفرح وحزن، لذا انتشرت اغانيها وكان شامي كابور الاكثر شعبية، اذ يقلده الشباب في ملبسه وحركاته، وكذلك راجي كابور واشاباريخ ودليب كومار، ونرجس، وفيروز خان، وكانت اغنية «ميري موهابات» في فيلم « جانور « التي يؤديها شامي كابور وهو يتغزل بالممثلة ممتاز ،قد انتشرت في اوساط الشباب والاطفال، ومازال عشاق الافلام الهندية ليومنا هذا يلتقون مع بعض وهم يرطنون باللغة الهندية ويحركون رؤوسهم وايديهم على الطريقة الهندية ، وهم يستذكرون اشهر الافلام الهندية التي عرضت في بغداد ويحتدم النقاش بينهم على اسم ممثل او ممثلة..
يقول احسان عباس: لا انسى يوم عرض فيلم» ام الهند « حيث تجمع شباب المنطقة ودخلنا صالة العرض وجلسنا في صف واحد، وما ان توالت احداث الفيلم الموغلة في الاسى والحزن حتى اجهش الجميع بالبكاء وهذا ما كان يحدث يوميا،لكن المفارقة ان بكاء احد الاصدقاء لم يكن عاديا فقد راح ينحب على الطريقة الجنوبية ويقول «يام الهند يابويا» .