ما مصير متحف الجواهري؟

قدلا يعرف الكثيرون أن الجواهري، ومنذ مغادرته مدينته-مسقط رأسه- النجف الأشرف العام 1926، إلى بغداد، قد عانى الأمرين من تنقله بين دور سكن مستأجرة في العاصمة بلغت 20 دارا للفترة من 1926 وحتى العام 1968، وخلال اثنين واربعين عاما، لم يستطع الجواهري أن يتملك دارا سكنية خاصة به سوى دار تقع في منطقة ارخيته في الكرادة، فاشتراها، وأقام فيها شهرين أو ثلاثة لتفاجئه أحداث حركة رشيد عالي الكيلاني في آيار 1941، التي أيدها في أيامها الأولى.لكنه غير موقفه هذا إلى موقف مضاد بعد انكشاف موقفها المؤيد والمحابي لألمانيا النازية وقناعة الجواهري بأنها تتجاوب- سواء أراد القائمون بها ذلك أو لم يريدوا- مع “نوايا سفاح البشر هتلر” كما يسميه الجواهري في مذكراته. فأوقف إصدار جريدته الرأي العام وشد الرحال مع عائلته إلى إيران.

وقبيل سفره منح أحد أصدقائه “المؤتمنين..!!” وكالة لاستكمال أوراق تملك الدار وبعد فشل حركة الكيلاني والقضاء عليها يعود الجواهري إلى بغداد ليجد هذا “الصديق المؤتمن..!!”هرب إلى بلده لبنان بعد أن باع بيت الجواهري بما فيه من أثاث ومتاع. وبعد عودته من ايران، عاد الجواهري إلى البيوت المستأجرة.

وبعد حدث ثورة 14 تموز وتأسيس نقابة الصحفيين العراقيين وعقد مؤتمرها الأول في أيلول 1959، كان أحد إنجازاتها تخصيص قطع سكنية لمنتسبيها في منطقة القادسية، وسميت بحي الصحفيين، حينها أصر الجواهري على أن يدخل القرعة أسوة ببقية أعضاء النقابة وحصل الجواهري على قطعة سكنية.

في العام 1967 تنادى أصدقاء الجواهري ومحبوه بجمع مبلغ من المال لبناء دار للجواهري على هذه القطعة وبالفعل قاموا بوضع أساساتها. وبعد انقلاب 17-30 تموز 1968 أعادت السلطات الانقلابية الجديدة الجنسية العراقية للجواهري التي أسقطت عنه اثر انقلاب 8 شباط الأسود، ورفعت الحجز عن أملاكه ودعته رسمياً للعودة للعراق، ولبى الجواهري الدعوة وعاد في نهاية العام 1968 إلى بغداد، في نهاية العام 1971 اكتمل بناء دار الجواهري بعد تعديل في خريطته وأسسه لينتقل لأول بيت يمتلكه فعلياً.

الدار التي هجرها الجواهري، وهجر العراق في مطلع العام 1980 دون عودة. تنادى الأدباء والمثقفون العراقيون بمبادرة من مركز الجواهري في براغ في نهاية العام 2010 بالدعوة لإنقاذ بيت الجواهري من البيع التجاري والمطالبة بتحويله إلى متحف لهذا الرمز العراقي الثقافي والوطني الشامخ.

استجابت أمانة بغداد لذلك، وصرحت على لسان أمينها حينذاك الدكتور صابر العيساوي بأنها أزمعت على استملاك دار الجواهري وتحويلها إلى متحف لشاعر العرب الأكبر.

وفي لقاء بيني وبين الدكتور العيساوي في آذار العام 2011 ثمنت هذه المبادرة وأبديت استعداد عائلة الجواهري للتعاون مع الأمانة وتقديم كل ما يتوفر لديها من آثار الجواهري وفي الإشراف على ترتيب الدار كما كان عندما تركه الجواهري. بادرت الأمانة باتخاذ الإجراءات القانونية لاستملاك الدار وصدر حكم محكمة بداءة القصر باستملاك دار الجواهري من قبل أمانة بغداد لتحويله لمتحف للجواهري في 7/ 2/ 2012، ولم يعترض عليه سوى حفيد الجواهري الشاغل لهذه الدار منذ العام 2000 بحجة عدم دستورية القرار! وعدم جواز تمييز الجواهري عن غيره من الشعراء والأدباء!.

وردت محكمة التمييز الطعن بالقرار وثبتت قرار محكمة البداءة، وأصبح القرار قطعياً في 21/ 5/ 2012، وتم في تشرين الثاني 2012 تحويل ملكية الدار إلى أمانة بغداد وتسلم ورثة الجواهري مبلغاً تجاوز “ثلاثة أرباع المليار” دينار عراقي بما فيهم شاغل الدار.

ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تضرب أمانة بغداد إصبعاً بإصبع لتنفيذ متحف الجواهري أجله. فهي لم تقم بإخلاء الدار ولم تقم بصيانته ولم تقم بتهيئته كمتحف لهذا الرمز العراقي الشامخ.

إني أتساءل أليس دفع مبلغ يتجاوز “ثلاثة أرباع المليار” دينار عراقي دون تنفيذ الغرض الذي من أجله تم استملاك الدار هو إهدار للمال العام؟!! أليس ترك شاغل الدار يستغل دارا عائدة لأمانة بغداد، لمدة قاربت السنتين، من دون أي مقابل بعد أن تسلم ما يزيد على “92 مليون” دينار من الأمانة نفسها هو فساد إداري ومالي..؟!!.

ألا يعني عدم اتخاذ أمانة بغداد أي إجراء لتنفيذ هذا المشروع هو بحد ذاته إهانة للجواهري العظيم؟!!

ولكي أسبق التبرير بعدم وجود ميزانية لمثل هذه المشاريع بسبب عدم تصديق ميزانية 2014، أقول.. هل تحتاج عملية إخلاء الدار وقيام قسم المشاريع في الأمانة نفسها بفحص وضع الدار الإنشائي وما يحتاجه من صيانة وتقديم تقرير بذلك إلى أموال..؟

فهل من مجيب في أمانة بغداد..؟!!

وأخيرا أعبر عن أسفي لاضطراري لإثارة هذا الموضوع بصفتي الشخصية بعد ان يئست من الصمت المطبق لمن أثار هذا المشروع،وأعني بهم المثقفين والادباء العراقيين، مؤسسات وأفرادا، فتنفيذ هذا المشروع لن يكون تقديرا للجواهري العظيم وحده فحسب، بل تقديرا للأدب والثقافة العراقية ولهم

شخصيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار