
جمعية الآثاريين تطالب المجتمع الدولي بحماية آثار نينوى
أكدت جمعية الآثاريين العراقيين أنها تابعت بقلق بالغ الأحداث الأمنية الأخيرة في محافظة نينوى وما قامت به عصابات داعش والقاعدة من انتهاكات للأموات والأحياء على حدٍّ سواء، ولم تسلم من شرورهم حتى العناوين والرموز الحضارية لهذه المدينة العريقة التي تعدّ متحفاً متكاملاً يحكي قصة الحضارة عبر العصور بمعابدها وكنائسها ومساجدها وقصورها.وقال رئيس الجمعية الدكتور حيدر فرحان الصبيحاوي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الجمعية صباح يوم الاثنين الماضي على قاعة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، إن المعلومات المؤكدة التي وردت أن هذه الجماعات الإرهابية قامت بحرق بعض الكنائس التاريخية، واتخاذ بعض الكنائس مواقع لتجمع تلك العصابات وتدريب الأهالي قسراً فيها، فضلاً عن هدم قبر المؤرخ المعروف ابن الأثير، وهو أحد الرموز التاريخية المعروفة في التاريخ الإسلامي، ومن أبناء مدينة الموصل وله الكثير من المؤلفات، إضافة لسرقة بعض المخطوطات النادرة والتحف النفيسة وتهريبها إلى خارج البلاد لغرض بيعها وتغطية نفقات عملياتهم الإجرامية، فضلا عن تفجير تمثال الشاعر العباسي “ابو تمام” وحرقه. من جانب آخر، بيَّن الصبيحاوي اعتزام؛ ما يُعرف بداعش، تهديم أضرحة الأنبياء، كمرقد النبي يونس ومراقد الشخصيات التاريخية الأخرى.
وأشار الصبيحاوي إلى أن على المجتمع الدولي، وفقاً لاتفاقيتي لاهاي لسنة 1954 واليونسكو لسنة 1970، حماية الممتلكات الثقافية المنقولة وغير المنقولة في حال نشوب نزاع مسلح ووقايتها من الضرر والتدمير الذي يتوقع حدوثه في النزاع المسلح. ووجوب محاربة الأعمال غير المشروعة من استيراد الممتلكات الثقافية وتصديرها ونقل ملكيتها. فضلاً عن اعتبار الأعمال المخالفة للأحكام الوطنية في مجال حماية الممتلكات الثقافية غير مشروعة لدى تنفيذ الاتفاقية، وتحريم الأعمال القسرية من تصدير الممتلكات الثقافية ونقلها الناتجة؛ مباشرة أو غير مباشرة، عن احتلال قوة أجنبية للبلاد، ومنع استيراد الممتلكات الثقافية المسروقة من متحف أو مبنى عام؛ مدني أو ديني.
دعوات الآثاريين
المؤتمر عقد من أجل الدعوات التي أطلقتها جمعية الآثاريين، التي بدأت بدعوتها المجتمع الدولي، وخاصة أصدقاء العراق في أميركا والاتحاد الأوروبي، لإدانة جميع الانتهاكات التي تطال آثارنا في نينوى. كما دعت منظمة اليونسكو؛ بوصفها الجهة الدولية المعنية بالحفاظ على الإرث الحضاري للعالم، والمنظمات ذات الصلة على تتبع الآثار المسروقة التي تقول مصادر الجمعية بأن تلك العصابات قامت بالمتاجرة فيها لغرض تمويل جرائمها. وأشار الصبيحاوي إلى أن الجمعية طالبت جميع الآثاريين في العالم للضغط على حكوماتهم لمطاردة مهربي الآثار العراقية وإعادتها إلى العراق، في حين تحتفظ الجمعية بكامل حقوقها لإقامة الدعاوى القضائية في المحاكم الدولية ضد الحكومات والأشخاص الذين يتداولون تلك الآثار بصورة غير شرعية.
من جانب آخر، دعت الجمعية حكومة إقليم كردستان العراق إلى أخذ الحيطة والحذر وتشديد المراقبة على المنافذ التي من المحتمل أن يقوم الإرهابيون من خلالها بتسريب وتهريب الآثار والمحافظة عليها وإعادتها إلى بغداد لحين استتباب الأمن. إضافة إلى عدم اتخاذ القوات المسلحة من المواقع الأثرية ثكنات عسكرية تحت أي ظرف، وتجنيب تلك المواقع العمليات العسكرية المحتملة.
نقاشات واقتراحات
رافقت المؤتمر نقاشات عدة، ابتدأها الكاتب حسين الجاف، الذي استغرب السكوت الإعلامي المحلي والإقليمي والعالمي على الجريمة التي تطال الآثار والمواقع الدينية في نينوى. وفي معرض جواب رئيس الجمعية عن هذا السكوت، أكدّ الصبيحاوي أنه لا بد من القول إن هذه الحرب ليست فقط حرباً عسكرية، بل هي أيضاً حرب فكرية وحضارية يراد منها طمر الهوية التاريخية للعراق، بالتالي إن ما يقومون به هو بسبب ما في داخلهم من إحباط فكري وهبوط في الرؤية الثقافية، لهذا يعمدون لتهديم آثار شخصيات ورموز كان لها باع طويل في تطور الإنسانية.
وفي سؤال ل “الصباح” عن عدم دعوة جمعية الآثاريين لإقامة مؤتمر عراقي أولاً، ودولي ثانياً، من أجل التحرك للمحافظة على الآثار العراقية عموماً وآثار نينوى على وجه الخصوص؟ أفاد الصبيحاوي أن الجمعية سائرة بهذا الأمر، لكن إقامة مؤتمر دولي يحتاج إلى وقت وترتيبات كثيرة، من أهمها الأمنية، ولعل الجمعية غير قادرة إن لم يكن هناك تحرك حكومي لترتيب هذا المؤتمر، “لكن مع ذلك، دعونا جميع الآثاريين؛ من العراقيين وغير العراقيين، للوقوف معنا والضغط على حكوماتهم لمنع تهريب الآثار وإرجاعها للعراق في حال وصولها إلى بلدانهم، ومع ذلك نحن سائرون لإقامة مؤتمر مهم ندعو فيه القنوات الفضائية والإعلاميين لغرض تسليط الضوء أكثر وإيجاد الآليات والحلول للمحافظة على آثارنا”.
وربط الكاتب آشور ملحم بين ما حدث في العام 2003 من تدمير وتهريب للآثار وما يحدث الآن في محافظة نينوى، قائلاً إنها “كانت تجربة قاسية بالنسبة للآثاريين، لهذا استغرب من أن المسؤولين عن الآثار لم يأخذوا العبرة مما حدث قبل أحد عشر عاماً، للحفاظ على الآثار ووضعها في أماكن آمنة، علماً أن هذا الحدث كانت له سابقة. فيجب على الدولة والحكومة والمؤسسات المعنية أن تحاسب المقصرين من القائمين على تلك الآثار”.
وبيّنت الجمعية أنها حاولت عدم توجيه نقد مباشر أو غير مباشر إلى المسؤولين في الحكومة أو في وزارة السياحة والآثار، “لكننا يجب أن ننبه هذه الوزارة إلى تقصيرها الواضح في حماية الآثار عموماً، وموقفها الخجول من هذه الأحداث، فقد اكتفت ببيان بسيط لا يضاهي خطورة ما جرى الذي لا يفرق كثيراً عما حدث في العام 2003 في المتحف الوطني العراقي وغيره من الأماكن التي تضم الآثار… وكان المفروض أن تنقل الآثار الثمينة أو النادرة من متحف الموصل وغيرها من المتاحف وحفظها في مواقع أمينة”.