
سلسلة حكايات من بلادي .. قصة قصيرة
نصيحة مربية
بعد أن هنّأتْ الطالبات بمناسبة مرور العيد ، وتمنّت لهنّ عاماً دراسيا حافلا بالنجاح والتقدم ، ارتأت أستاذة مادة الفسلجة في كلية الطب أن تخرج هذا اليوم عن الروتين المألوف ، وأن تخصّص جزءً من وقتها للتحدث مع الطالبات في بعض شؤونهن.
فقالت وهي تبتسم : اسمحْنَ لي ياعزيزاتي أن أتحدّث أولا عن نفسي .. إنني أبلغ من العمر خمسين عاما ، ولي من الأولاد أربعة ، طبيبان ومهندس ومدرِّسة ، وأعيش مع زوجي في غاية السعادة ، ولي مقالات دورية أكتبها في بعض الصحف المحلية وبحوث علمية أنشرها في مجلات عربية ودولية متخصّصة.
ثم تنهّدت الدكتورة المساعدة (التي جذبت انتباه الطالبات بأسلوبها الشيّق) وقالت : لقد كنت أجلس في مكانكنّ هذا قبل حوالي ثلاثين عاما ، وكنت منكبّة على الدرس ولم انشغل بجسدي أو بثيابي أو بزينتي .
واسمحْن لي أن أقول وبصراحة : إنني عندما أفتح عينيَّ الآن .. وأنا أمرّ في طريقي من غرفة الأساتذة إلى قاعة الدرس هذه ، فإنني أكاد أصعق لما أراه من مشاهد بعض الطلبة والطالبات في الممرات والحدائق ، هذه المشاهد لم أكن أتوقع أنني سأراها ذات يوم في أروقة الجامعة.
فهل جئنا هنا لكي نتعلّم أم لنجلس مع الطلاب كعشاق تحت ظلال الأشجار ، أم جئنا لنتفسّح في الممرات ونستعرض الأزياء والألوان والموديلات !!!
وفي هذه الأثناء .. بدأت بعض الطالبات بالتأفف , وصارت هذه تدير وجهها بعيدا عن الأستاذة .. وتلك تحاول أن تنشغل بحقيبتها ، وثالثة تنظر لزميلاتها وعيونها تقول : ما رأيكنّ أن نغادر القاعة !
ولكن الأستاذة القديرة أضافت ، وكأنها نبي مكلّف بأداء مهمّته مهما كلّف الأمر : أيتها الغاليات .. اصغين لي جيدا .. أنا أريد مصلحتكن ، وأنا حريصة على كلّ واحدة منكنّ كحرصي على ابنتي المدرِّسة نوال. إنّ من حقّ المرأة أن تلبس ما تحبّ وأن تتعطر كما تشاء .. ولكن ينبغي أن يكون ذلك في داخل منزلها ، أما إذا خرجت إلى الناس فليس لها أن تثير غرائز الرجال ولا أن تُلهب مشاعرهم ، وليس من حقها أيضا أن تُحرق قلوب الشباب وتجعلهم يطاردونها بنظراتهم وكلماتهم.
إن من حقّ المرأة أن تكون جميلة ، فربنا جميل يحبّ الجمال.. ولكنّ الجمال الحقيقي هو جمال الروح ، هو جمال العقل ، هو جمال الأخلاق والتعامل.. وليس جمال السيقان المكشوفة والمفاتن الظاهرة والثياب الضيّقة والقصيرة .. مع الفتحات والحركات والضحكات المريبة.
إن بلدنا يعيش تخلّفا واضحا عن ركب الحضارة ، ولقد جئنا إلى هذا المكان من اجل أن نعانق العلم ونحتضن الفكر ونختلي بالثقافة ، لا أن نسير معظم الوقت مع من نشاء في الحدائق والممرات وكأننا مراهقات في سفرة سياحية.
أعرف أنني أزعجتُ بعضكن .. ولكنّ حرصي الشديد وتجربتي الطويلة يدفعانني للقول انّ حياتنا أيتها الغاليات فرصة واحدة لايمكن أن تتكرر ، وانّ كلّ ما في الدنيا سيزول ولن يدوم الشباب لأحد ، وانّ أي تصرف غير محسوب سوف يسيء لسمعة البنت وقد يؤثر على حياتها مستقبلا بعد التخرج.
فلماذا نقضي شبابنا بمعصية الله مع أنّ كلّ ما نملك هو عطاء منه سبحانه وأننا سنرجع إليه مرغمين شئنا أم أبينا ، وسوف يسألنا في ذلك اليوم عن شبابنا فيم قضيناه وعن عمرنا فيم أفنيناه ؟
أنا أشكر إصغاءكنّ لي ، وأتمنى من كلِّ قلبي أن يُكتب لكُنّ النجاح في امتحان الجامعة وأن يُكتب لكُنّ الفوز في اختبار الحياة .
ومسحت الدكتورة المربية بقايا دموع كانت قد ترقرقت في عينيها ، بعد ان أحسّت في لحظة ما أنها كانت تتحدث طوال الوقت مع أبنتها نوال .. التي ما تزال تراها بحاجة إلى الاهتمام والاحتضان والنصح.