
مشاهداتي في (الأربعين) ٢
قضية التركمان
هذا الزحف المليوني الهادر الذي ولّى وجهه شطر الحسين بن علي عليهما السلام في ذكرى الأربعين، جسد الكثير من القيم الإنسانية العظيمة التي حملتها عاشوراء، ولعل من أهمها وأبرزها:
اولا: الانتصار للمظلوم، ولقد قال امير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسنين عليهما السلام {كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا} من دون تحديد هوية الظالم والمظلوم، فقيمة الإعانة والخصومة ذاتية لا تنبع من الهوية ابدا.
على طول الطرق المؤدية الى مرقد سيد الشهداء (ع) والممتدة اكثر من (٥٠٠ كم) في الاتجاهات الأربعة، ترى انصار الحسين (ع) حملوا صور ولافتات وأسماء شهداء الحق والعدل والحرية في اكثر من بلد، خاصة البحرين والجزيرة العربية ولبنان ومصر، وفي كل بلد فيه شهيد او ثائر او مظلوم، حتى ان عدد من سرادقات العزاء تسمت باسم شهيد العقيدة الانسانية الرسالية الشهيد الشيخ حسن شحادة، الذي قتله الأمويون الجدد من التكفيريين المتمردين في مصر الفاطمية، فرفعوا اسمه وصورته في كل زاوية من زوايا الموكب.
ابرز قضايا المظلومين التي حضرت في كل خطوة من خطوات الزحف المليوني، هي قضية التركمان الذين يتعرضون منذ مدة لحرب الإبادة الجماعية في طوز خورماتو، فلقد تبنت الكثير من مواكب العزاء قضيتهم العادلة ليثيروا انتباه الناس اليها وهي التي كادت ان تتحول الى قضية منسية او هامشية على الرغم من خطورتها وعظم الدماء التي لازالت تسيل انهارا، والتي امتدت من الطوز الى كربلاء، عندما فجر الإرهابيون مواكب التركمان في اكثر من منطقة على طول الطريق.
ولقد أقامت مجموعة من التركمان الأبطال الذين تبنوا القضية اعتصاما مفتوحا بين الحرمين الشريفين في كربلاء المقدسة، والى جانبه معرض للصور عرض المأساة بشكل ملفت للنظر، كما امتلأت شوارع المدينة والطرق العامة باللافتات التي امتدت على جانبي الطريق تتحدث عن المأساة، داعية انصار الحسين (ع) الى نصرة التركمان في طوز خورماتو.
اما مواكب عزاء التركمان التي جابت شوارع كربلاء المقدسة في الأربعين، فلقد كانت ملفتة للنظر، إن بالحضور او بالشعارات او باللافتات او باهتمام الناس بها بالتحية والالتفاف حولها.
ان قضية التركمان قضية إنسانية ووطنية وسياسية بالاضافة الى انها قضية ذات بعد اثني ومذهبي ومناطقي، ولذلك فهي قضية معقدة ينبغي على مؤسسات الدولة العراقية، وتحديدا مجلس النواب والحكومة العراقية إعطاءها اهتمام اكبر بكثير من مجرد بيانات الإدانة والرفض والاستنكار لعمليات القتل الجماعية التي يتعرضون لها.
ينبغي إصدار التشريعات اللازمة الكفيلة بحماية التركمان، وإذا كانت الحكومة عاجزة عن حمايتهم، فلابد من سلوك احد طريقين:
فاما تشريع قانون الدفاع عن النفس، الدفاع الذاتي، وفتح باب التطوع الشعبي لكل من يريد المشاركة في حماية الدم التركماني، او طلب الحماية الدولية، كما فعل الكرد في بدايات التسعينيات من القرن الماضي عندما تعرضوا للإبادة الجماعية، ولم يتمكنوا من الدفاع عن انفسهم بأنفسهم.
ان التركمان بشر، ومن حقهم حماية انفسهم من الإبادة الجماعية بأية وسيلة قانونية ممكنة، وطنية ذاتية او دولية، لا فرق، وان استمرار نزيف الدم التركماني بهذه الطريقة ينذر بعواقب وخيمة، فأين نواب التركمان في البرلمان والحكومة؟ اين أحزابهم السياسية؟ ام {ران على قلوبهم}؟.
ان القضية بحاجة الى جهد وطني شامل، تشترك فيه حتى المرجعية الدينية ومنظمات المجتمع الوطني.
٢٧ كانون الاول ٢٠١٣