
“عاشوراء … يقظة الوعي” (٣) القيادة الدينية ومقاصد المجتمع
قلنا سابقا ان العناية الالهية قد حملت المجتمع تكليفا جسيما عندما احالت موضوع انتخاب القيادة الدينية اليه من خلال صفات ومعايير وضعها المعصوم -عليه السلام- الا ان هذا التكليف هو تكليف فردي تماما كما ان حق الانتخاب هو تكليف فردي لانه يبتني اساسا على قناعات المكلف ، لكن حق الانتخاب السياسي يتحول الى موضوع اجتماعي باعتبار ان ممثلي الشعب عددهم محدود فيحسم التعيين باغلبية الاصوات ، ولكن انتخاب القيادة الدينية يبقى موضوعا فرديا الا في استثناء واحد وهو ولاية الفقيه او الولاية العامة. في غير مورد الولاية العامة فأن التوصيف الاقرب للدقة هو (الزعامة الدينية) لان القيادة الدينية تستتبع مهام اجتماعية قلما تصدت لها الزعامات الدينية بسبب ظروف التقية المشددة التي رزحت تحت وطأتها مجتمعاتنا عبر التاريخ ، ولعل التوفيق الالهي اسعدنا بأن نشهد واحدة من الحالات الاستثنائية في التصدي للقيادة الاجتماعية -رغم ظروف التقية- وذلك في عهد النهضة المباركة للمرجع القائد السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) حيث استفاق المجتمع من سباته ليتحسس البون الشاسع ما بين الزعامة الدينية والقيادة الدينية. رغم ان فترة التصدي لم تكن طويلة بحساب الزمن اذ برز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم الان ان امتدادات الوعي مازالت مستمرة ومتجسدة في معالم المدرسة التي خلفها السيد الشهيد (رضوان الله عليه) تماما كما امتدت اشراقات الوعي الذي واكب النهضة الحسينية الى يومنا الحاضر والى مايشاء الله تعالى تصديقا للسان الحق الناطق (فو الله لاتمحو ذكرنا ولاتميت وحينا). اشكالية المباينة ما بين مقاصد الزعامة الدينية ومقاصد المجتمع يمكن تحسسها بقياس مدى التباين ما بين مهام الزعامة والمهام التي اوجزها قول امير المؤمنين -عليه السلام- في توصيف الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) على انه (طبيب دوار بطبه). ان اعتناء القادة برعاية مصالحهم الذاتية باعتبارهم افرادا -كما عبرنا سابقا- ينحصر تحديدا في المنافع الدنيوية ولكنه لايقتصر بالضرورة على المكاسب المادية بل ان السمعة والشأنية واحتكار الزعامة وتوريثها هي ايضا منافع دنيوية لكنها ذات طبيعة معنوية ، وهذه المنافع يمكن ان يزهد فيها القادة السياسيون في مقابل المكاسب المادية الا ان الزعامات الدينية ليست معصومة عن استهدافها فقد حدثنا التاريخ عن امثلة وشواهد كثيرة لزعامات دينية شديدة الزهد في الدنيا وزهرتها لكنها لم تترك الحرص على السمعة والشأنية ونحوهما من المنافع الدنيوية. ان المجتمع الذي يراقب بدقة وعناية نزعة النخب السياسية نحو الشح والاثرة في الاموال والاعيان قلما يلحظ او يلتفت الى امثال هذه النزعات في الموارد المعنوية فيُسقط القيادات السياسية من عين الاعتبار ويتهمها بالفساد فيما يحتفظ للزعامة الدينية بهالة القداسة والاعتبار.