
الإرهاب الفكري (المصلح)
المراد هنا هو الأفكار المتولدة من طريق الفراغ والجهل واللاوعي، ويكون صاحبها متحجراً، ولا يقبل النقاش والحوار العلمي، ويكون مستبداً برأيه إلى درجة التعصب الأعمى. فيكون مصداقاً للآية القائلة: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }
فنحن نجد الكثير من المصلحين الذين ينطلقون من أجل إصلاح واقع الأمة وإنقاذها من كثير من الانحرافات، والسير بواقعها بعيداً عن الجهل والتخلف؛ فيبادر أمثال هؤلاء ليكفروهم، وقد يكون لهؤلاء (الذين كفروهم) صفة الدين والعبادة والإيمان، ولكنهم لا يعيشون وعي الإيمان، مثلهم مثل الخوارج الذين كانت على جباههم ثفنات كثفنات البعير من أثر السجود، لكن عقولهم مغلقة وغير مستعدين للحوار. كما رأينا بأم أعيننا كيف حاول هؤلاء الجهلة من الإنتقاص من المرجع اليعقوبي؛ لمحاولته تهذيب الشعائر من الدخيل عليها، فهؤلاء القوم موجودون في كل زمان ومكان؛ إذ نجد في كل زمان أُناساً يحفظون بعض الشعارات، من دون أن يعرفوا عمقها وخلفياتها وامتدادها على صعيد الواقع. فالشعار له معنى ثقافي وواقعي، لا معلقاً في الهواء. وهذا الجهل كثيراً ما نجده في الواقع الإسلامي على مدى التاريخ؛ بحيث يصل إلى أن يقف جماعة ليقولوا لعلي سلام الله عليه: (لقد كفرت) … في حين أن الإسلام قام بفكر علي وبسيفه.
حين نرى الجهة المقابلة وهي جهة علي وأهل بيته وأصحابه الغيارى، إذ نرى أنه سلام الله عليه رغم ما صدر من الخوارج لم يضطهدهم، بل حاورهم بشخصه تارة، ومن خلال بعض أصحابه تارةً أخرى حتى قال: (لا تقاتلوا الخوارج من بعدي؛ لأنهم أرادوا الحق فأخطاءوه)، لكنهم كانوا لا يعرفون لغة الحوار لآن عقولهم مغلقة وكانوا يعبدون الله عن جهل وهذه من أهم العقبات في طريق الدعوة إلى الله، حتى قاموا باغتياله سلام الله عليه، فعلينا أن نأخذ درساً منهم حتى لا نقتل علياً أكثر من مرة بسبب الظلم الذي يطول كل مصلح على وجه الأرض منذ عهد الأنبياء حتى ما بعد الظهور الميمون؛ لأن التيارات الظالمة تخشى من كل حركة لأي مصلح تطالب بالعدل وترفض الظلم، وقد يكون ظلمهم من قبل أُناسهم الذين يعيشون التخلف؛ إذ تستغل بعض الجهات المخابراتية بساطتهم وعدم وعيهم؛ لقرأتهم الإسلام بشكل خاطئ، فتحاول تأليبهم على المصلحين ولاحظنا كيف وقف الساذجون ضد بعض المصلحين حتى إذا ما رحلوا أصبحوا مقدسين.
أما حرية الفكر، فلعل مستشكل يقول: الإسلام دين الحرية، وجاء بالحرية نظرياً ليطبقها على ساحة الواقع الإسلامي عملياً، وقد أطلق الإسلام لها العنان، أقول: إن الإسلام نادى بالحرية نظرياً وعملياً، لكن لا الحرية المطلقة، إذ قيدها بقيد وهو قيد الالتزام أي دون فوضى، إذ يجب حماية الفكر من الدعوات الضالة والمضلة، لا التزاماً متحجراً يغلق عليهم نوافذ التفكير من أن يطلعوا على أفكار الآخرين؛ لأنه من حق أي دعوة أن تدافع عن أفكارها وتبطل الدعوات المقابلة.