جريدة الناصرية الالكترونية:
وجّه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي، جميع النخب والكفاءات الرسالية الساعية لإقناع الناس بمشروع الإسلام الى عدم الاكتفاء بالمواعظ والشعارات والادعاءات، والسعي لتقديم الحلول العملية لمشاكل الناس وقيادة المبادرات الكفيلة بتحسين أوضاعهم حتى يلمسوا بركات المشروع الإسلامي وما يجلبه لهم من مصالح خصوصاً اذا مكّن الله تعالى لهم في الأرض وجعل لهم نفوذاً وسلطة ، مشدداً في الوقت ذاته على أهمية السعي لهذا التمكين من أجل تقديم الخير والعون للناس وهذا واجب على من يستطيع منهم .
وقد تمحورت خطبتي العيد حول المراد من قوله تبارك وتعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح :10 -12] .
إذ أشار سماحته الى أن الآية الكريمة تحكي عن الرسالة التي كان يؤديها النبي العظيم نوح (ع) إلى قومه ، من خلال بيان إحدى السنن الإلهية الجارية في حياة البشر وهي الارتباط الوثيق والفاعل بين صلاح البشر وصلاح الأوضاع الكونية العامة المؤثرة في حياة الإنسان ، فإن البشر كلما تابوا ورجعوا الى ربهم وأقلعوا عن ذنوبهم ومعاصيهم وأصلحوا نفوسهم وغيّروا واقعهم الفاسد أغدق الله تبارك وتعالى عليهم بالخيرات ونعمّهم بحياة طيبة هنيئة وأزال عنهم النكد والضيق والمنغصات ، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] وقال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن : 16] .
وتابع سماحته حديثه بذكر نماذج من النعم التي ذكرتها الآيات الكريمة في سورة نوح ، كإطالة الأعمار وهو ما جاء في قوله تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:3-4] وإرسال السماء بالمطر والإمداد بالمال والبنون وجعل الجنات والأنهار من خلال تهيئة أسباب نجاحها وازدهارها ، لافتاً النظر الى الآثار المعنوية لهذه النعم وما ينطوي عليه انزال الماء من كناية عن تطهير القلوب والنفوس من الأدران والكدورات والأوهام الباطلة وإعمارها بالإيمان والعمل الصالح.
واستعرض سماحته جملة من الآيات والأحاديث الشريفة التي تبين هذه السنة الإلهية التي تؤكد على أن تقوى الأفراد وإقامة النظام الاجتماعي العادل كفيلان بجلب الخير والسعادة للناس، كقوله تعالى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود : 52] وقول الرسول الأكرم (ص) :(من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً) .
وبيّن سماحته أن هذه السنة جارية في الاتجاه المقابل أيضاً ، فان الناس بابتعادهم عن الله تبارك وتعالى وإعراضهم عن العمل بشريعته يكونون سبباً في نزول البلاء والحرمان من الخيرات والحياة الكريمة، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] وروي في تطبيق الآية عن أمير المؤمنين (ع) قوله: (توقّوا الذنوب، فما من بليّةٍ ولا نقص رزق الا بذنب، حتى الخدش والكبوة والمصيبة) .