كتب/ثامر الحجامي
وصف القران الكريم ” بيت العنكبوت ” بأوهن البيوت، رغم إن أبحاثا علمية أثبتت أن خيوط شبكة العنكبوت هي من أقوى الحبال على وجه الأرض.. لكن طبيعة العلاقة الأسرية لهذه الحشرات تختلف عن غيرها، فالأنثى تقوم بافتراس الذكر بعد أن ينتهي من تلقيحها، وعندما يفقس البيض يقوم بالتغذى على أضعفها، وما أن يقوى حتى يقوم بالتهام الأم ! لتنتهي عندها السلسلة الوراثية بين الآباء والأبناء.
على العكس من ذلك طور البشر علاقاتهم الأسرية والاجتماعية، لتكون مثالا للترابط والتلاحم، المعبر عن سمو الفكر البشري، وإدراكه لعظمة الروابط الإنسانية بين بني أدم.. والتي تطورت الى علاقات اجتماعية وقبلية، تجمع البلدان والشعوب تحت مسميات متعددة، حتى أصبحت تلك البلدان تتباهى بعظيم ترابطها وتوحدها تجاه ما يعتريها من مخاطر ومشاكل.
لطالما كانت تأتي التهديدات للشعوب عبر ضرب نسيجها الاجتماعي ومحاولة تكسير أواصر الروابط بين فئاتها المتعددة باستخدام أساليب شتى، فالدولة العثمانية ربطت الخيول في مساجد الشيعة في محاولة لأهانتهم والاستصغار من مذهبهم، وفعل الانكليز أضعاف ما فعله العثمانيون ( وما زالوا ) بالضرب الأواصر الاجتماعية وتغيير المفاهيم الثقافية لشرائح المجتمع العراقي.
جاء نظام البعث الفاشي، الذي تجاوز الآخرين ودخل الى البيوت، ليضرب الروابط الأسرية في الصميم، فعمل لجعل الزوجة تسجل أحاديث زوجها والوالد يقتل ولده الهارب من حروب النظام الطاحنة، وزادت الهوة الطائفية والقومية بين شرائح المجتمع العراقي، فأصبح أبن “العوجة” ينادي أبن الناصرية ” بالشروكي” ويتعامل معه تعامل السيد مع العبد..
بعد عام 2003 عمد المحتل الى زيادة حجم الخلافات، حتى تحولت الى حرب دامية تطورت الى إشكال متعددة، لم ينطفئ سعيرها إلا مع نهاية عام 2017، وما زالت معاناتها وتأثيراتها مستمرة الى يومنا هذا، بل إن الخوف من عودتها ما زال حاضرا، رافق ذلك خلافات سياسية حادة، وتعدد الولاءات الحزبية المرتبط بعضها بجهات خارجية، وغاب الكثير من المفاهيم الوطنية والاجتماعية، التي تجعل المجتمعات والشعوب متماسكة قادرة على مواجهة التحديات.
خلال عملية الصراع مع عدو الخارج، والتدافع بين مكونات الداخل، مع تحريض سياسي من أجل مصالح حزبية، غابت مفاهيم كثيرة تمثل قوة للمجتمع العراقي وتماسك مكوناته، فأصبحت الوطنية سبة لمن ينادي بها، وصار الولاء للخارج محل فخر للبعض! واختلفت الأغلب في مفهوم السيادة وتفسيرها، فيعتدي على القوات العراقية بصواريخ أجنبية، ولكننا نشاهد من يبرر ذلك، ويستشهد قادة عراقيون داخل العاصمة باعتداء غاشم، فنجد من يستنكر ومن يبرر! واعتداء على سفارات وقنصليات دول، هناك من يستنكر وآخر يبرر! وإنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، يدافع عنه البعض ويهاجمه البعض الآخر!
دستورنا ينتهكه الحكام أكثر من المحكومين، حكومة وجودها من عدمه، وبرلمان يعيش في سبات تحميه الكتل الكونكريتية، الأحزاب تتكالب على مغانم السلطة ، قوى التشدد واللادولة متحكمة في ما بقي من الدولة، ممسكة بمصادر المال والسلاح ومتحكمة بالمال والنفوذ، فأحالت بيتنا الى ما يشبه بيت العنكبوت.