هناك الكثير من التاريخ بحاجة الى مراجعة واعادة قراءة ضمن اطار تاريخي يضمن لنا المسار الصحيح ومعرفة الشخصيات وادوارهم التاريخية وارتباط هذه الادوار مع بعضها ارتباطاً عقائدياً لتشكل نسيجاً متكاملاً تصبح من خلاله الرؤية واضحة لاستعادة الحوادث التاريخية ومحاولة فهمها بشكل يزيل كل عوامل الغموض بعد ان عصفت بالتاريخ رياح التزييف والتحريف وباتت اقلام السلطة منكبة على تصوير التاريخ بما يخدم مصالحهم وايجاد كل اسباب الاتهام لكل من عارض او رفض هذا التصور بل وصل الامر الى اتهام الرافضين بتهم ايدولوجية اوجدها مؤرخو وفقهاء السلطة حتى يتسنى لهم تصفية كل خصومهم دون ان يحرك ذلك افراد المجتمع تهم تحاول ان تصورهم بمظهر المرتد وبدأت الة الابادة عملها حتى وصل الامر الى تشييد بناء تاريخي اصبح من الصعوبة معه ان تكتشف الحوادث على حقيقتها الا من خلال تكوين وعي تاريخي ومعول من معاول المعرفة يساهم في تهديم هذا البناء الزائف والاطلاع على هذه الحقيقة.
وهذا الامر قام به فضيلة الشيخ عبد الهادي الزيدي وكتابه الموسوم (الثورة المغيبة) قراءة لدور الزهراء( عليها السلام )في حركة المسلمين بعد ابيها (صلى الله عليه واله).
لقد عمل الشيخ الزيدي في هذا الكتاب على رسم خارطة تاريخية للأحداث بعد شهادة النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) يكون فيها البحث والتحليل والتحقيق هي بوصلة التوجيه لوضع الاحداث بمسارها الحقيقي بعيدا عن التزييف وتوفير كل عوامل المقارنة بين الاحاديث والروايات لمعرفة الخطأ من الصواب وتصحيح مجرى التاريخ فالقضايا التاريخية كما ذكر المؤلف اسهمت وبشكل واضح في تغيير مجريات الواقع المعاصر وما سبقه فهي ليست قضايا تاريخية محضة مجردة عن التوابع بل هي ذات اثر عقدي مؤثر في حياة الفرد.
ومن هنا سار المؤلف باتجاه مختلف عن الاتجاه السائد في كتابة التاريخ حيث يرى ان التاريخ لم يعد مجرد سرد للحكايات بل على الباحث ايجاد العلاقة بين مجريات الاحداث للوصول الى الفهم الصحيح لها وان هناك وظيفة اخرى للمؤرخ هي تفسير الحوادث واثارها اضافة الى وظيفة التدوين وتطرق المؤلف الى وظيفة مهمة من وظائف القيادة الدينية وهو استشراف المستقبل وذلك لتوجيه التاريخ وتقنين حركته وهذا لم يتوفر الا في بعض القيادات الواعية ومنهم المرجع اليعقوبي.
الكتاب يتناول موضوع الزهراء (عليها السلام) ودورها المهم في توجيه المسلمين بعد شهادة ابيها صلى الله عليه واله ويحكي لنا قصة امرأة عظيمة كافحت من اجل الرسالة السماوية.
يقع الكتاب في اربع فصول تتناول جوانب مهمة في مرحلة ما بعد استشهاد الرسول صلى الله عليه واله فالفصل الاول تكلم المؤلف عن دور التاريخ في صناعة الامم ومن اهم المحاور التي ناقشها المؤلف في هذا الفصل هي المعرفة في التاريخ والسنن التاريخية والقيادة الدينية وفهم السنن التاريخية اضافة الى علاقة الماضي بالحاضر.
ثم يعرج المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب الى مواقف السيدة الزهراء (عليها السلام) وكيف استنهضت الامة وما هي الاساليب المستخدمة والفهم الصحيح لهذ الاساليب.
اما الفصل الثالث والمعنون اثار الحراك الفاطمي ما اطلق عليه (ردة المسلمين) قد يكون هو الاهم في هذا الكتاب رغم اهمية الفصول الاخرى فقد ناقش قضية مهمة جداً غيبها التاريخ كحقيقة (ثورة) وحرفتها اقلام المؤرخين باتجاه اعطى السلطة شرعية مزيفة لقمعها وابادتها فمن اشعل فتيل الثورة وفجرها ومن هم الثوار ومن هي القبائل الثائرة وماذا حصل لهم بعد القضاء على هذه الثورة فالمؤلف كانت له وقفة مع هذه الاحداث وناقشها بمنهجية علمية اغفلها معظم المؤرخون عمداً حتى لا تتصادم مصالحهم مع مصالح السلطة او بسبب الانتماء العقائدي للثورة والذي يتعارض مع سياسة الحكام وقد تناول المؤلف الكثير من الشواهد التي تؤيد صحة ما ذهب اليه.
وفي فصل الكتاب الرابع يذهب الكاتب الى موضوع شرطة الخميس وماهي الظروف التي عاشها امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومحاولات البعض من فرض آرائهم على الامام الذي رفض الانصياع الى مطالبهم بل عمل على تهديم كل كيانهم المشيد على مظاهر القداسة الزائفة.
ان المؤلف حاول في كثير من مؤلفاته ان يأخذ التاريخ دوره في صقل وبلورة الشخصية الواعية لا ان يبقى التاريخ مكتفيا بسرد الاحداث وتدوينها فقط ولهذا نجده دائما يؤكد على اهمية التاريخ واهمية تنقيته من الشوائب التي فرضت على التاريخ بسبب ميول السلطات والحكام حفاظا على سلطتها.