إنها المرة الأولى، ربما، حين تمنح جائزة عراقية، لشخصية روسية، ليس لأنه سياسي، رفيع المستوى، وإنما لأنه يتقن اللغة العربية.
انطلقت المبادرة من عميد كلية اللغات الأجنبية في جامعة بغداد سابقا، ضياء نافع، المهوس بالثقافة، واللغة والأدب في روسيا، وتخرج من تحت لسانه، وعلى منعطفات قلمه، مئات العراقيين الشغوفين باللغة الروسية وآدابها.
تحمل الجائزة اسم “نوار” طبيب العيون، الراحل عن عمر تجاوز الأربعين بقليل؛ دون أن يترك وصية؛ لأنه لم يتخيل موتا يعاجله في فراش الغربتين.. الغربة عن بغداد التي ترعرع صبيا في حارتها، والغربة عن موسكو التي تخرج في معاهدها.
مات نوار في بلد أوربي، بالسكتة القلبية فجأة.
لا عزاء لوالديه، أستاذ الأدب الروسي ضياء نافع، والمترجمة والباحثة فالنتينا غاليتسينا غير تخليد اسم “نوار” في جائزة تمنح لمن يعزز العلاقات الثقافية بين وطن تفتق عن بوشكين وغوغول وتولستوي ودستيوفيسكي وتشيخوف، وليرمنتوف، وأرض رفدت السياب والجواهري وغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي ولميعة عباس عمارة.
لا تتسع عيون المها لاحتواء الآف المبدعين الخالدين في روسيا والعراق؛ بيد أن “دار نوار” للنشر؛ تتنطع لأن تغطي في الأقل جزءا يسيرا من النتاجات الثقافية في روسيا والعراق، بعد عقود عجاف من انقطاع التبادل الإبداعي وإغلاق دور الترجمة والنشر في روسيا ما بعد الحقبة السوفيتية.
لم يجد ضياء، وفالنتينا، أفضل ” ثواب” لتخليد وحيدهما، الراحل في غير أجله، غير إطلاق جائزة باسمه.
“نوار” نطفة في العلاقة الروسية العراقية، وعلقة في الذاكرة المكلومة لبلدين تعرضا على مدى قرون لشتى الانتهاكات والعسف والعنف؛ وبقيت الكلمة حية ساطعة في جوانح أبنائهما، جيلا بعد جيل وفي أحلك عهود القمع والطغيان.
طرزت جائزة “نوار” في طبعتها الأولى، صدر الدبلوماسي الروسي اللامع، المستعرب الصديق ميخائيل بوغدانوف بميدالية ذهبية.
وأقيم الحفل نهار الجمعة المصادف 28/9/2018 في السفارة العراقية بالعاصمة الروسية، بحضور غير مسبوق لوسائل إعلام روسية وعربية، ورهط من الضيوف بينهم سفراء عدد مُلفت من الدول العربية المعتمدين في روسيا الاتحادية.
يعكس التنظيم المميز للفعالية؛ حرص السفير النشيط حيدر العبادي وعقيلته الأنيقة السيدة ميسم، وطاقم السفارة، على نجاح الطبعة الأولى لجائزة نادرة في تاريخ العلاقات الثقافية الروسية العربية.
ومثلما مرت حياته، خاطفة، بين غربتين، مرت ساعات الحفل، مثل حلم ليلة صيف. بيد أن اسم نوار ضياء نافع، وليد السيدة المعتصمة بالحزن الأبدي فالنتينا غاليتسينا؛ يخلد بين ثنايا النتاج الأدبي المنبثق من دار النشر التي يأمل عشاق الإبداعات الروسية والعراقية أن تتحول إلى مؤسسة كبيرة عنوانها عودة الروح لحركة الترجمة في بلد الخليفة المأمون، وبلد الأمير فلاديمير، مؤسس روسيا في القرن العاشر الميلادي الذي شهد ازدهار العرب وعلو شأنهم بين الأمم.