العباسيون يبنون مدينة السلام ويخربونها لأنهم شيدوا خلافتهم على مقولة (إن الملك عقيم)
ضج الكثير من العلمانيين والإسلاميين المتحجرين من جهلة السنة والشيعة ضد كلام عمار طعمة الذي أنصف بمداخلته رئيس السن حيث أشاد بحسناته وصحح هفوته بكل أدب واحترام وبين بعض الأسس التي انطلق منها بما سمح به الوقت فقد انطلق عمار طعمة من أسس صحيحة وتكلم تحت قبة مؤسسة منتخبة اختارها الناس تحترم الرأي والرأي الآخر في العراق الجديد ويفترض بها أن ترفض كل أنواع الظلم والاستبداد والاستئثار وتنبذ جميع القتلة والمجرمين … انتقد مساواة المظلوم الذي يحمل المبادئ الإنسانية وجسدها في واقعه العملي مع ظالمه الذي شيد حكمه على القتل وقمع الآخرين وتصفية المخالفين بالرأي … انتقد من علمّ ابنه أن الملك عقيم وانه الغاية ولو على حساب تصفية الفاضل تصفية جسدية وأوضح بحضور أبنائه موجهاً الكلام لأحدهم وبكل صراحة أنه لو نازعه الملك لأخذ رأسه فتعلم الأمين والمأمون الدرس جيداً فأراد كل واحد منهم أخذ رأس أخيه من أجل الملك ونجح المأمون بأخذ رأس أخيه الأمين … فهل يريد هؤلاء أن يكون أساس الحكم في العراق الجديد وفق هذا الأسس ؟!
التقدم العمراني
يتبجح الكثير بالتقدم العمراني ولا يعلم الكثيرون أن بناء مدينة المنصور لم يكن من اجل الناس وإنما بنيت من قبل المنصور لأجل حماية نفسه وخلافته لأنه كان يخاف من الثورات فقام ببناء مدينة بين قرى ومدن مأهولة بالسكان كان يخشى من أهلها وذلك بعد قتله أبي مسلم الخرساني وإخماد ثورة الرواندية وبعد انقلابه وآبائه على شركائهم بالثورة ضد الخلافة الأموية فقرر الانتقال من الهاشمية التي بين الحيرة والكوفة وهي المقر الأول للخلافة العباسية لأجل أن يكون بعيدا بعض الشيء من أهل الكوفة وفي مأمن منهم لذا قرر أن يشيد حصنه الذي سماه مدينة المنصور ووضع له خطوط دفاعية عديدة منها والسور والنهر وجعل منازل قادة دولته حوله وبنى قصره في وسط المدينة. علما أن في مدينة بغداد الحالية كان فيها آنذاك مدن كبيرة كالمدائن … وقرى مأهولة كقرية براثا وغيرها الكثير.
علما أن المدينة التي بناها المنصور اسمها مدينة السلام أو دار السلام أما بغداد فاسم قديم تعاقب على سكناها واعمارها أجيال كثيرة … ويمكن معرفة تفاصيل الإسم وأسماء المدن والقرى التي فيها من خلال الاطلاع على موجز دائرة المعارف الاسلامية.
وقد كان اسمها بغداد قبل أن يبني المنصور مدينته وهذا ما ذكره اليعقوبي في تاريخه حينما سأل المنصور عن اسم هذا الموضع الذي يريد بناء مدينته بها فقيل له: بغداد.
وقد كانت هذه المنطقة يسكن فيها أناس كثيرون وقد اجتمع بوجهاء هذه المنطقة وسألهم عنها وهذا ما ذكره الطبري في تاريخه (ونزل المنصور الدير الذي هو بحذاء قصره المعروف بالخلد، فدعا بصاحب الدير، وأحضر البطريق صاحب رحا البطريق وصاحب بغداد وصاحب المخرّم وصاحب الدير المعروف ببستان القس وصاحب العتيقة، فسألهم عن مواضعهم، وكيف هي في الحرّ والبرد والأمطار والوحول والبقّ والهوام؟ فأخبره كل واحد بما عنده من العلم، فوجه رجالاً من قبله وأمر كل واحد منهم أن يبيت في قرية منها، فبات كل رجل منهم في قرية منها، وأتاه بخبرها. وشاور المنصور الذين أحضرهم، وتنحر أخبارهم، فاجتمع اختيارهم على صاحب بغداد، فأحضره وشاوره، وساءله – فهو الدهقان الذي قريته قائمة إلى اليوم في المربعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سلمان الطوسي، وقباب القرية قائم بناؤها إلى اليوم، وداره ثابتة على حالها …)
ونقل أحمد بن حميد بن جبلة عن أبيه عن جده جبلة ، قال: كانت مدينة أبي جعفر قبل بنائها مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة، وكانت لستين نفسا ” من البغداديين فعوضهم عنها …
وقد ذكرت بعض المصادر أن راهب في أحد الأديرة الموجودة على الأرض التي كان يستطلعها المنصور وشيد عليها حصنه سأل مرافق المنصور عن سبب تواجده في هذا المكان متفكراً وبعد أن أفصح عن السبب سأل الراهب عن اسمه وكنيته وبعد أن أجابه مرافق المنصور قال له الراهب ليس هذا من يبني هذا المكان لأن لديهم كتاب يتوارثونه قرن عن قرن أن الذي يبني هذا المكان اسمه (مقلاص) وهو غير موافق لاسم المنصور ولقبه وبعد إطلاع المنصور على ما قاله الراهب زادت عزيمته في بنائها بعد أن أطلع مرافقه على سر ظن أنه لا يعرف به أحد غيره وهو أنه لُقِّب في فترة من فترات حياته أيام الخلافة الأموية بـ (مقلاص) على أسم أشهر لص آنذاك لأن المنصور سرق وكشف أمره فناداه الشخص الذي سرقه بـ”مقلاص”!
فتركيز النبوءة – إن صحت – على لقبه (مقلاص) على أشهر لص آنذاك لها دلالات عديدة.
وعلى ما يبدو بعد انتشار هذه القصة وضع العباسيون قصة أخرى مشابهة لها إلا أنهم وضعوا في النبوءة أن الذي يبنيها اسمه المنصور لكي يبعدوا عنه شبح اللصوصية التي تعد أهم ما يعرف به من يبني هذه المدينة.
علما أن كل الجبابرة حين يقومون بتشييد حصونهم أو يختاروا أي مدينة لخلافتهم أو إمبراطوريتهم يقومون تتوسع المدن وتزدهر بالعمران لأنها أصبحت مركز الحكم للعديد من الدول والأقاليم وهي مركز رجال السلطة والتجار الأثرياء … وهذا واضح بالنسبة لنا لأن أي مؤسسة تشيدها الحكومات في مكان ما نجد أن هذا المكان يزدهر بالعمران وتكون مرغوبة وتزيد قيمتها فجعل مدينة بغداد عاصمة للخلافة العباسية جعل لها أهمية وساهم في تطويرها عمرانيا آنذاك.
والجدير بالذكر أن نتيجة سياسية الاستبداد التي سلكها أبناء الخلفاء العباسيين وتقاتلهم على السلطة وفق أساس (أن الملك عقيم) خربت المدينة التي بناها المنصور فقد خرب جانبها الغربي في حرب المأمون والأمين والحصار الذي فُرض عليها والذي انتهى بقتل الأمين واستيلاء المأمون على الحكم وتعرض الجانب الشرقي لأضرار جسيمة في الحصار الثاني الذي حدث في عهد الخليفة المستعين بالله (الذي حاربه وقتله ابن أخيه الخليفة المعتز بالله) وتخربت أهم أحيائه كالرصافة والشماسية والمخرم… وانتقلت الخلافة إلى سامراء بعد تدمير بغداد وبعد أن نقم أغلبية أهالي بغداد على جند الخلافة العباسية.
وفي الختام أقول: من المعيب أن تقرن اسم عاصمة العراق بهذه الأسماء التي أساس حكمها قائم على مقولة (ان الملك عقيم) التي أوضحها هارون العباسي لأبنائه #فتقتل_الأم_ولدها (قتلت الخيزران ولدها الخليفة الهادي حين أراد أن يعقد ولاية العهد لإبنه جعفر ويخلع أخيه هارون العباسي من ولاية العهد) ويقتل الابن أباه (الخليفة المنتصر بالله يقتل أباه الخليفة المتوكل على الله) ويقتل الأخ أخاه (الخليفة المأمون يقتل الخليفة الأمين) ويقتل ابن الأخ عمه (الخلفية المعتز بالله يقتل الخليفة المستعين بالله) وتصفية الشركاء الذين شاركوا في إحداث التغيير (قتل العلويين وغيرهم) من أجل التفرد بالحكم !