الدم…حرم الله
كما ان الله تعالى شاءت إرادته ان يكون ثمن حفظ دينه، دم سبط رسوله الكريم (ص) الامام الحسين بن علي عليهم السلام، كذلك فان إرادته، جل شانه، شاءت ان يكون ثمن الحفاظ على الشعائر الحسينية دم يراق على جانبي الطريق، بما تمثل من قيم إنسانية عظيمة تهدي الانسان الى الصراط المستقيم، من خلال التمثل بمجموع المناقبيات العظيمة التي جسدها الامام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في عاشوراء في كربلاء.
ولقد تمثل الزحف المليوني في ذكرى الأربعين، بعدد كبير من تلك المناقبيات الحسينية الخالدة، عندما تحولت المناسبة الممتدة على مدى اسبوعين تقريبا، وعلى طول الطريق العام المؤدي الى مرقد السبط الشهيد، كعبة الأحرار ومنار الثوار، تحولت الى صف تعليمي مكثف ومركز لصقل الروح والجسد.
ومن تلك المناقبيات: الكرم، العلاقات العامة، التعامل بإنسانية، الإخلاص، الإبداع، الخدمة العامة، الرياضة الجسدية والروحية، التقرب اكثر فاكثر الى الله تعالى والى رسوله الكريم (ص) وأهل بيته عليهم السلام.
وان هذه الخصال حضارية إنسانية فضلا عن انها دينية، وإذا كان المرء بحاجة الى أعوام ليتعلمها، فان مشاركة واحدة في ذكرى الأربعين تكفي ليتعلم فيها كل هذه الخصال وأكثر.
ولقد اثبت شيعة اهل البيت (ع) انهم يحبون الحسين (ع) اكثر من حب الوهابيين التكفيريين لله تعالى، على الرغم من انهم يدعون خدمة بيته العتيق في مكة المكرمة، وشعارهم، كذبا وزورا (خدمة الحاج شرف لنا).
انهم يستغلون معاناة الحجاج في ايام اعمال الحج كل عام لابتزازهم في كل شيء، في النقل والسكن والطعام وفي كل شيء، اما انصار الحسين (ع) فلم تجد فيهم احد يفكر في استغلال الزائرين لابتزازهم ابدا، فتراهم يتوسلون خدمة الزائر بلا منة.
كذلك، فعلى الرغم من المخاطر العظيمة التي تحدق بالزوار في طريقهم الى الحسين (ع) الا انهم صمموا على السير قدما والوصول الى المرقد المقدس للإمام الشهيد، من دون ان يرهبهم القتلة او يثنيهم الإرهابيون، وإذا سمعوا بجريمة ارتكبها الإرهابيون ضد موكب او سرادق عزاء فانهم يكبرون ويهللون ثم يواصلون طريقهم بكل ثبات واطمئنان، وهو مصداق للمشيئة الإلهية التي أبت الا ان يضمخ طريق الحسين (ع) بالدم، ولكن:
هل يعني ذلك أننا نستهين بدمائنا؟ ابدا، فالدم حرم الله تعالى لا يجوز الاستهانة به ابدا، وهو ثمين جدا ومقدس، ولذلك فان علينا ان نبذل كل ما نملك من جهد من اجل صيانة الدم وحمايته من الارهابيين، وذلك على ثلاثة مستويات:
الاول؛ هو المستوى الشخصي، اذ ينبغي على كل عراقي، خاصة في المناسبات العامة التي يشترك فيها الملايين، ان يتحلى بحس أمني عالي، يشم الخطر من بعيد ويكون على حذر شديد، ولقد كان امير المؤمنين (ع) حذرا في المعارك حتى ان وحشي رفض طلب هند آكلة الأكباد قتله في معركة بدر قائلا لها بان حذره الشديد يحول بينه وبين اصطياده في ساحة الحرب.
ان الحذر شجاعة، وان الحس الأمني مبادرة، ولذلك قيل (الحذر يقيك الضرر).
ان استهانة البعض بالخطط الأمنية مثلا او تجاهل التعليمات بحجة الجنون بحب الحسين (ع) امر مرفوض، فائمة اهل البيت (ع) لا يريدون لشيعتهم القتل والذبح على اي حال، بل يريدون لهم حياة سعيدة، في ظل الأمن والعزة والكرامة، ولقد كان الحسين (ع) حريص على دم أعدائه، فظل يعضهم ليثنيهم عن قتاله، فما بالك بأهل بيته وأصحابه؟.
الثاني؛ على صعيد المنظومة الأمنية، من خلال تحديث الخطط الأمنية وتطهير المؤسسات المعنية من العناصر المشبوهة، واستبدال القيادات الفاشلة باخرى ميدانية ومهنية ناجحة.
وبهذه المناسبة، فانا احيي قواتنا المسلحة الباسلة التي استجابت لنداء الوطن ولصرخة المواطن الذي عانى الأمرين على يد جماعات العنف والإرهاب، خاصة في مناطق الحواظن التي عشعش وبيض وفقس فيها الارهاب، متمنيا لها النجاح وتحقيق النصر الكامل، وإنجاز مهامها على أحسن ما يرام، بعيدا عن التوظيف الحزبي والدعاية الانتخابية الرخيصة التي تحاول، وبنذالة، توظيف الدم في المعركة الانتخابية.
الثالث؛ على المستوى السياسي والدبلوماسي والحقوقي، من خلال إطلاق حملة دولية لفضح مصادر الارهاب وتجريم كل من يدعمه، خاصة نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، وما يرتبط به من فقهاء تكفير ومؤسسات تتستر بالعمل الإنساني والدعوي والشبابي، وكذلك من اعلام تحريضي وأقلام مأجورة.
لابد من إطلاق مثل هذه الحملة الحقوقية العالمية، وإلا فان الارهاب استرخص دماءنا لدرجة وكأننا راضون بالذبح او خائفون من الرد او خانعون امام تهديدات جلادنا.
يجب ان لا نظهر للرأي العام العالمي وكأننا مشاريع مصالخ لجماعات العنف والإرهاب، او كأننا قطيع خراف تنتظر سكين الارهابيين لفصل رؤوسها عن أجسادها، فقطرة دم واحدة ثقيلة في ميزان الله تعالى، فلماذا نسترخصها، إذن، بالغفلة مثلا او اللاأبالية؟.
٢٨ كانون الاول ٢٠١٣