هي مشاعر لا توصف، والزمان، كما المكان، لا يستوعبها، لانها روحية ومعنوية، تمتزج بالعقل والفكر، لتنتج وعيا رساليا علويا حسينيا فريدا.
فالمشاركة في الزحف المليوني الهادر في (أربعين) سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي عليهم السلام، له طعم الإيمان والوفاء والكرامة والحرية، وفوق كل ذلك، طعم الانسانية التي ضحى من اجلها الشهيد ابن الشهيد، والقتيل ابن القتيل (ع).
تذكرت، وانا أسير بين الجموع الزاحفة في طريق النجف – كربلاء، ذلك اليوم من عام ١٩٧٧ عندما تحدى انصار الحسين (ع) قرار الطاغية الذليل صدام حسين القاضي بمنع مسيرة الأربعين، لينطلقوا بمسيرة التحدي والإباء والتي كانت نتيجتها عدد من الشهداء الأبرار تساموا الى جنان الخلد، اما في الطريق عندما تصدى الطاغية للمسيرة بالطائرات والدبابات، او اثر مسرحية المحكمة الصورية التي شكلها الطاغية والتي أصدرت احكام الإعدام بحق عدد من انصار الحسين (ع) بالاضافة الى احكام بالسجن بحق عدد آخر تراوحت بين المؤبد وبعض من السنين، كان من بين الذين حكم عليهم بالمؤبد الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم الذي كان قد حضر انطلاق مسيرة التحدي عند بوابة النجف الاشرف مبعوثاً من قبل الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر.
هنا تذكرت الشهيد عباس ابو بسامير، اخي وصديقي وزميلي في الجامعة، والذي سرت بصحبته مسافة من الطريق، كان يحمل راية المسيرة عالية خفاقة وقد كتب عليها الاية المباركة (يد الله فوق أيديهم) عندما ابى الا ان يوصلها الى حيث مهوى قلوب العاشقين مرقد سيد الشهداء، ليحكم عليه الطاغية، فيما بعد، بالإعدام، وما درى انه حكم على نفسه بالإعدام، فأين الطاغية الذليل ليرى هذه الجموع المليونية الزاحفة التي حاول صدها ومنعها من الوصول سيرا على الأقدام الى معشوقها الذي امتد طريقا واضحا وصراطا مستقيما الى العلي الاعلى، واقصد به سيد الشهداء (ع)؟.
ومن المشاهدات:
اولا: التفاني في الخدمة، فكل من نصب سرادقا للعزاء سعى بكل اخلاص لخدمة المسيرة المليونية بلا منّة او أذى يبطل عمل الخير.
لم تلمس في خدمتهم رياءا او اي نوع من انواع حب الظهور مثلا، فخدمتهم تقطر إخلاصا قل نظيره، طبعا باستثناء السرادقات الحزبية، خاصة التابعة الى الحزب الحاكم، فالرياء لفها من قمة رأسها الى أخمص قدميها، وهي تجارة سياسية وحزبية رخيصة وبائرة سلفا.
ثانيا: مظاهر الإيمان والتقوى بادية على المسيرة المليونية بشكل واضح، ان بالملبس او بطريقة المشي الهادئ والوقار النادر، خاصة عند النساء، كبارا وصغارا، اما الشباب فبحاجة الى تذكرة وتنبيه متكرر ليتحلى بمظاهر الوقار والتقوى اكثر فاكثر، على الرغم من ان المرجعية الدينية العليا قد ذكّرت الجميع بما ينبغي الاهتمام به من أخلاق والتزامات وهم في مسيرهم الى الحسين (ع).
ثالثا: الطعام ممتد على طول الطريق بنظام (البوفيه) في اكبر وأطول مائدة في العالم وفي التاريخ، ان على صعيد غذاء الجسد او غذاء الروح، اما غذاء العقل فكان نادرا، فلم تجد بين سرادقات العزاء والإطعام خيام العلماء والفقهاء وطلبة العلوم الدينية لتقديم الإرشادات الدينية والأجوبة على أسئلة السائلين او تقديم الحديث والخطاب للمشاة، الا ما ندر، كما غاب الكتاب، كذلك، الا ما ندر.
رابعا: ومن اروع المظاهر الحضارية، النظافة، وذلك لعدة أسباب لعل من أهمها هي حملات التوعية التي أطلقتها عدد من منظمات المجتمع المدني، وكذلك الوعي الشعبي العام بأهمية النظافة والذي دفع المشاة الى التعاون والمساهمة في خلق هذه الظاهرة الحضارية، فضلا عن الحضور المباشر للآليات التي بذلت جهدا كبيرا لإخلاء مدينة كربلاء المقدسة وكذلك الشوارع والطرقات الممتدة من والى مختلف المحافظات، اخلاءها من الأوساخ بكل أشكالها، طبعا من دون ان يعني ذلك ان النظافة كانت على أتم أشكالها، الا ان الفارق كان واضحا عن السنين السابقة.
٢٦ كانون الاول ٢٠١٣