كثر اللغط الذي يصدر من الأفواه العفنة المسمومة التي ما فتئت تبث سمومها في أجساد الفقهاء الربانيين والقادة المصلحين والعلماء المخلصين لأنهم يستشعرون الخطر منهم ويرون أن سلوك هذه القيادات المخلصة وحركتها يهدد مملكاتهم التي بنوها وشيدوها على جهل الناس وسذاجتهم لهذا نجدهم دائما يقفون بوجه المصلحين وحجر عثرة في طريق الإصلاح ويخرج علينا بين فترة وأخرى أشخاص من هنا وهناك يشنون حملاتهم ضد المرجعيات الحركية وهو قتال بالنيابة عن زعمائهم زعماء الجهل والظلام الذين التحفوا بعباءات القداسة المزيفة وآخر الهجمات وليس أخيرها هو ما شن من هجوم على القانون الشرعي الجعفري الموافق لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والمطابق لرسائل العلماء بما فيهم المعترض ! حيث اخذوا ووقفوا في صف الشيطان الذي لا يريد أن يقر هذا القانون لأن إقراره يجنب الناس من الوقوع في المخالفات الشرعية المالية والشبهات النسبية وغيرها التي يتسبب بها القانون الوضعي الحالي حيث يحتوي على مواد مخالفة للشريعة الإسلامية إلا أن الغريب في هذه الحملة التي شنت ضد القانون الشرعي الجعفري أن من يرفض القانون الشرعي الجعفري (قانون الرحمن) ويقف في صف الشيطان مرجعية دينية !! فهي تخالف ما موجود في رسالتها العملية بخصوص الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية وهي أيضا تقف بالضد من مراجع ومجتهدين وأساتذة في الحوزة العلمية والذي بلغ عددهم أكثر من عشرين (كالمرجع الحكيم والمرجع الفياض والمرجع النجفي والمرجع المدرسي والمرجع اليعقوبي والمرجع الطائي وآية الله حسن الجواهري وآية الله علي السبزواري وآية الله السند وآية الله مرتضى القزويني … ألخ ) إلا أنها رفضت بالسر (وظهر على لسان وزيرة المرأة) ولم تصرح بالعلن بأي شيء واتخذت مسلك السكوت واستكمالا لرفضها جاء عبيدها وعباد الدنيا من سياسيين فأخذوا بطرح شبهة أن الهدف من إعداد وطرح هذا القانون هو دعاية انتخابية ليس إلا ! وأنا أجيب عليهم بأن القانون الشرعي الجعفري هو أحد الأهداف الإستراتيجية للمرجعية الحركية المتمثلة بالمرجع اليعقوبي (دام ظله) حيث كان هذا الأمر من الأمور المهمة جدا والذي شغل باله طوال هذه السنوات وسعى إلى تحقيقه بعد الانفراج الذي حصل ما بعد سقوط اللانظام الصدامي المجرم وليس دعاية انتخابية كما يظن أو يدعي البعض الآن وإليكم بعض الأدلة على ذلك :
1- في يوم 6 رمضان 1425هـ / 2004 م تحادث سماحة الشيخ (دامت تأييداته) هاتفياً مع السيد هاشم شبّر المقيم في لندن مؤسس كلية الشريعة والقانون في النجف الأشرف ومدن عديدة في قارات العالم وقد طلب السيد هاشم من سماحة الشيخ أن يرعى هذا المشروع ويدعمه ، واخبره سماحة الشيخ انه كان يفكر بإنشاء كلية أهلية للفقه والقانون يليها معهد إسلامي للقضاء لإيجاد قضاة معترف بشهادتهم يحكمون بالشريعة الإسلامية وتعيينهم في محاكم الدولة ويخيّر المواطن في الترافع إلى القانون الوضعي أو الإسلامي وقد اكتفى الشيخ بوجود هذه الكلية الآن لثقته بالقائمين عليها فشكر السيد هذا الشعور ودعا إلى شمول مشاريعه بلطف الشيخ ورعايته. نشرة الصادقين العدد الرابع.
2- جاء في النظام الأساسي لجامعة الصدر الدينية: أولا : هوية الجامعة : نصت المادة (45) : تحاول الجامعة سد احتياجات الحوزة والمجتمع على مختلف الأصعدة بإنشاء مراكز ومعاهد متخصصة في تلبية تلك الاحتياجات ويديرها ويشارك في أعمالها أساتذة متخصصون ومنها:
جـ – معهد القضاء ويتولى إعداد قضاة مستوعبين لأحكام الشريعة ولهم القدرة على تشخيص الحالات ومعرفة ما ينطبق عليها من الأحكام لتخرج قضاة شرعيين يعترف بهم رسمياً ويعملون الى جنب القضاة بالقوانين الوضعية في المحاكم المدنية الموجودة والتي لا تتحدد بحدود الشريعة وبذلك توفر الفرصة للمسلم الملتزم ان يراجع في قضاياه وخصوماته المحاكم الشرعية. كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية الشريفة / المرجع الديني محمد اليعقوبي (دام ظله)
3- أصدر سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) خطابا يحمل الرقم (18) بعنوان: استطلاع وتثقيف الرأي العام حول فقرات في الدستور ونظام الحكم.
ورد السؤال التالي من ضمن الأسئلة التي جاءت في الاستطلاع :
س9: من المسائل المهمة التي يحاول الاستكبار تحقيقها هي أبعاد الإسلام عن ساحاته وإحلال الرؤية العلمانية بدلا منه، ولما كان الدين هو الأساس العقيدي الذي تستند إليه رؤية الفرد عن مفردات الحياة وتفاصيلها، لذا جرت الدساتير في أغلب صياغتها على تدوين بشكل واضح يضمن مفرداتها.
برأيك هل ترى من الضروري أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وان القوانين التي تشرع يجب أن لا تتعارض معه؟
كان الاختيار : نعم / لا
وقد جاءت نتيجة الاستطلاع الذي أجرته الحوزة الشريفة ونشر في خطاب المرحلة تحت رقم ( 28) حيث اختار (987) بالألف أن يدون في الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي وأن القوانين التي تُشرَّع يجب أن لا تتعارض معه ورفض ذلك (13) بالألف فقط.
وكذلك ورد السؤال التالي:
س17: القضاء ركيزة مهمة لضمان العدالة وإحقاق الحق. وقد كانت المحاكم تستند إلى قوانين وضعية من صنع الإنسان الظالم لنفسه فضلاً عن ظلم الآخرين، وأما اليوم فتوجد فرصة لإنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية، ويمكن ان ينظم كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً إلى أي منهما.
هل ترجّح أن يكون القضاء معتمداً على الشريعة الإسلامية، أم القوانين الوضعية، أم كلاهما؟
جاءت النتيجة : … لم يوافق على استناد القضاء في أحكامه إلى القوانين الوضعية إلا (2) بالمئة بينما اختار (63) بالمئة إنشاء محاكم تستند في قضائها إلى القواعد الإسلامية واختار (35) بالمئة انضمام كلا الشكلين ويكون المواطن مخيراً في الترافع إلى أي منهما.
4- طالب سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) في خطاب المرحلة (37) الذي بعنوان: رسالة إلـى العراقيين بمناسبة حلول شهر ذي الحجة الحرام ووضع قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية : خامسا – الاعتراف بقضاة شرعيين يستمدون أحكامهم من الشريعة الإسلامية تعينهم المرجعية الدينية في المحاكم الرسمية إلى جنب القضاة الذين يستندون إلى القوانين الوضعية والمواطن مخير في مراجعة أيهما ويكتسبان نفس الدرجة القانونية.
5- سُئل سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) عن إمكانية الالتحاق بمعهد القضاة العالي في بغداد … يمكنك الاطلاع عليه كاملا في خطاب المرحلة (57) الصادر 3 جمادي الآخرة 1425هـ 21 / 7 / 2004 م الذي عنوانه : حكم الانتماء إلـى معهد القضاء العالي … .
فجاء في معرض جوابه (دام ظله) : لا مانع من دخول المعهد على مستوى التعلّم والمعرفة ونيل الشهادة، فإن القوانين الوضعية مما يحسُنُ الاطلاع عليها لأنها تمثل خلاصة جهد إنساني طويل يزوّد الفقيه بثقافة وعمق نظر ينفعانه عند الدخول في عملية الاستنباط الفقهي، وإنما تبدأ مشكلة القضاء عند التعيين بعد إنهاء الدراسة في وظائف القضاة وهي مبنية على أحكام وضعية تخالف الشريعة في كثير من الموارد، لذا فهنا عدة حلول:
الأول: وهو ما طالبنا به الحكومة ونأمل أن تُحتَرم إرادة الشعب فيه حيث أظهر استطلاع الرأي العام الذي أجريناه قبل أشهر أن 98% من الشعب العراقي يريد قضاء مستنداً إلى الشريعة الإسلامية، أو على الأقل منضماً إلى المحاكم التي تعمل وفق القوانين الوضعية.
لذا نطالب بإنشاء معاهد للقضاء تعتمد المناهج الوضعية لمعاهد القضاء كما أنها تعطي دروساً إضافية في أصول وقواعد القضاء الإسلامي ويكون هذا المشروع بإشراف المرجعية الرشيدة، ووفق الضوابط الرسمية المعتمدة.
وبالنتيجة ستضم محاكم الدولة قضاة يعتمدون القوانين الوضعية بشرط عدم مخالفتها للشريعة الإسلامية، وأن يبنوا مقدمات الحكم وآليات التوصل إليه على القواعد الإسلامية من شروط الشهود والأخذ بالبينة وتحليف المنِكر وغيرها.
وإذا تطورت الحالة الإسلامية في البلد فيمكن إنشاء محاكم تعتمد الشريعة الإسلامية خالصة -في حدود ما تسمح به الظروف- وممضاة من قبل المرجعية الدينية، وتكتسب الصفة الرسمية والمشروعية من قبل الدولة، ولها حق أمر الأجهزة التنفيذية أي الشرطة ونحوها، لعدم إمكان تعدد آليات التنفيذ غير الأجهزة الوطنية وإلا لزم اختلال النظام، وتكون قراراتها فاعلة كالمحاكم المتعارفة التي تستند إلى القانون الوضعي فيتعين هؤلاء القضاة في هذه المحاكم بعد إلمامهم بقواعد القضاء الإسلامي.
الثاني: أن يدرس خريجو المعهد القضائي عند فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية القواعد الإسلامية في القضاء ليستندوا إليها في المرافعات واتخاذ الأحكام، ولو كانوا ضمن المحاكم العرفية مع ضمان القانون لهم ذلك وعدم النقض عليهم حين مخالفة القانون الوضعي، أي تشرّع الجهات الرسمية قانوناً يخيّر القاضي -وبحسب رغبة المتخاصمين- في النظر في القضايا وفق القانون الإسلامي أو الوضعي ويلزمان بما اختارا، ولا ينظر القاضي الملتزم بالشريعة إلا في مرافعات المواطنين الذين يختارون الأحكام الشرعية فإن الحق أحقُّ أن يتبع، [أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (يونس: 35).
6- بتاريخ 28 ذ.ح 1426 الموافق 29/1/2006 استقبل سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) عدداً من المحامين من محافظة واسط وسألوه عن كيفية عملهم وفق الشريعة الإسلامية
فأجاب سماحته: انه ليس فقط مجال القضاء الذي يحتاج إلى تصحيح وإنما كل واقع المعاملات بُني على غير منهج الإسلام فمثلاً البنوك تعتمد نظام الفائدة الربوية والتعامل معها يوجب إشكالات تحتاج إلى تقنين وتكييف الفقهاء.
وقد عمل الفقهاء على بيان طريقة التعامل مع هذه الحالات وقد اعترضت مرة قبل عشرين عاماً على هذا النمط من التفكير في إحدى مراسلاتي مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) واعتبرته ترقيعا للواقع الفاسد ويؤدي إلى ترسيخه والوقوع في آثاره السيئة التي أراد الشارع المقدس إنقاذ البشرية منها، فأيد (قدس سره) هذا وقال كلمة أعتبرها برنامج حياة (علينا أن نرتقي بمستوى الواقع الفاسد إلى الشريعة وليس أن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع الفاسد) لكنه دافع عن عمل الفقهاء باعتبار أنهم أمام مشكلة حقيقية تورط بها الناس، فعليهم أن يفكروا لإبراء ذمة المكلف على الأقل إن عجزوا عن تغيير الواقع الفاسد.
وإذا أردنا أن نطبق هذه المقدمة على عمل القضاة والمحامين فنحن أمام حلّين أحدهما ستراتيجي يمثل حالة الطموح، والآخر مرحلي يقنن التعامل مع الواقع الموجود وفق الشريعة المقدسة:
فالأول: بان نسعى إلى تأسيس (معهد للقضاء) لا يكتفي بإعطاء مفردات القوانين الوضعية المطلوبة وإنما يزوّد القاضي بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية التي يحتاجها في عمله لاستخراج الحكم الشرعي المنطبق على الحالة المترافع عليها، هذا من جهة تأهيل القاضي، ومن جهة أخرى علينا أن نهذب القوانين وننقحها وننقيها من المخالفات للشريعة خصوصاً وقد نجحنا في تثبيت مادة في الدستور تشترط على كل القوانين عدم مخالفتها لأحكام الشريعة المقدسة، وهنا تقع المسؤولية على القضاة والمحامين في التعاون مع المرجعية الرشيدة لتأسيس مثل هذا المعهد ولمراجعة القوانين المعمول بها في المحاكم لمعرفة نقاط التقاطع مع الشريعة حتى نعمل على تصحيحها بإذن الله تعالى وهي فعلا تحتاج إلى إعادة نظر لأن كثيراً منها يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي.
وقال سماحته (دام ظله) بعد أن ذكر الحل الثاني وهو المرحلي وقبل أن يختم كلامه : النتيجة الصحيحة هي أن نكون شجعانا وحازمين في طلب رضا الله تبارك وتعالى ونقف وقفة رجل واحد لتغيير القوانين المخالفة للشريعة وتأسيس واقع جديد يجنبنا الوقوع في معصية الله تبارك وتعالى، فالذنب هو ذنب الأمة حينما ولت أمرها من لا يستحق وأوقعت نفسها في هاوية الضلال وقد قالها أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا أصلحكم بفساد نفسي) فأين أنصارنا إلى الله تبارك وتعالى؟
نشر هذا الكلام مع إضافة في خطاب المرحلة رقم (104) تحت عنوان : عمل القضاة والمحاميـن وفق الشريعة الإسلامية.
7- هذا القانون تم المباشرة بالإعداد إليه منذ حوالي ثلاث سنوات تقريبا وتم تقديمه لجميع مراجع الدين لإبداء ملاحظاتهم عليه إن وجدت وذلك بعد الانتهاء منه قبل أكثر من سنة إلا أن البعض لم يعط أي رأي بخصوصه وأما باقي المراجع والمجتهدين وفضلاء وأساتذة الحوزة رحبوا وأيدوا وباركوا بالقانون الشرعي ومع ذلك لم يكتف الوزير بهذا بل توجه زائرا إلى جميع العلماء والقادة الدينيين والسياسيين لأجل إقرار هذا القانون ورفضت جهة واحدة من إعطاء رأيها بهذا القانون ورفضت استقبال الوزير بالرغم من أنه يحمل قانونا فيه رضا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين ؟!!!
فلو أن المرجعية التي تغافلت عن إعطاء رأيها الصريح به هي من أخرت الإعلان عن القانون وهي التي تتحمل القاء هذه الشبهة والكذبة على عاتق الجهة التي أعدت القانون وذلك بسبب تأخيرها بإعطاء رأيها وهي من أجهضت المشروع المبارك بحسب ما نقلته وزيرة المرأة ابتهال الزيدي والتزمت هذه المرجعية أيضا بالصمت ولم تكذب كلام وزيرة المرأة ولم تثبته !!
إن المرجع الديني محمد اليعقوبي (دام ظله) لا يتحرك عفويا ولا مواقفه عبارة عن ردود أفعال عاطفية وتوجيهاته وخطاباته سلسلة مترابطة فيما بينها فهذا كتاب خطابات المرحلة بأجزائه السبعة زاخر بالمواقف المشرقة والمشرفة على صعيد الدين الوطن والمشاريع الناضجة والأخلاق الفاضلة والنصائح البليغة والمثمرة على صعيد سلوك الفرد والمجتمع سواء كيانات سياسية أو منظمات اجتماعية …
فالقانون الشرعي الجعفري لم يأت وليد فكرة دنيوية كما يظنها عبيد الدنيا بل جاء بعد مراحل طويلة طوتها المرجعية الدينية في سيرها للتمهيد للظهور المبارك والمساهمة في تحقيق الدولة الكريمة ولم يأت لأجل مسألة انتخابية بل جاء لأنه مسألة حيوية وضرورية للمجتمع المسلم … وهي نتيجة لابد للقيادة الدينية وجميع من يؤمن بالله واليوم الآخر … أن يسعى إلى تحقيقها قال تعالى : (( الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ))