كبار السن يحذفون أصفار العملة قبل الحكومة

ربما سمعت وانت تتسوق من البقال او عند شرائك للخبز او اثناء صعودك في المواصلات ايضا،تسمع احد “كبار السن” يلفظ عبارة هاك:نص دينار أو ربع دينار او اعطني خبزا بدينار ، للوهلة الاولى تظن انه مصاب بـ”الزهايمر” لكن عند تفحصك الموقف جيدا ، تجد ان الامر هو شعور جماعي من فئة “كبار السن” بالحنين الى الماضي الجميل ،وايام الخير ، او كما يقول اغلبهم ” ايام جان الدينار يحجي” ، وتجد اغلب هؤلاء “كبار السن” يذّكرون زوجاتهم لاسيما وقت الجدال ويعيرونهن ، بانهم دفعوا مهورهن بعملة “ابو الشايب او ابو الحصن  او نوط ابو العشرة ” وهي اشارة الى فئات نقدية ضحمة في ايامهم ،ففئة عشرة دنانير  حيث كانت مرسومة فيها صورة العالم العربي “الحسن ابن الهيثم” ،وكذلك فئة خمسة وعشرين دينارا وكانت ثلاثة احصنة عربية مرسومة فيها .
بات الحنين الى الماضي الجميل الذي عاشه العراقيون ايام الرخاء الاقتصادي ـ باستثناء فترة النظام المباد ـ يشكل هاجسا بكل ماتعنيه هذه الكلمة وماتحمله من معنى،حيث القوة الشرائية للعملة الوطنية ،مع صغر حجمها او قلة عدد الاصفار التي تحتويها، وربما يكون لاستثقال الارقام الضخمة على السنة “كبار السن” هو مايدفعهم الى لفظ “الدينار” اضافة الى ان اكثرهم يضيع عليه الحساب بسبب انتشار العملات في العراق ، فهناك الكثير من المحال التجارية تتعامل بعملات اجنبية “الدولار واليورو”وكما يقول البغداديون “ضاع الخيط والعصفور” ويضطر اغلب المسنين الى اصطحاب احفادهم او اولادهم اثناء تعاملاتهم او استلام رواتبهم .
الموظفون القدامى يذكرون اشياء واقعية عن القوة الشرائية للعملة العراقية ايام السبعينات ونهاية الستينات ،منها ان اكثر المعلمين كانوا يسافرون الى الدول الاوربية في العطلة الصيفية ،فيحملون معهم نقودا عراقية يقومن بتصريفها في تلك الدول ومع فارق العملة بالدولار مقارنة بالدينار العراقي الذي كان يساوي اكثر من ثلاثة دولارات تكون مصروفات رحلتهم اصبحت مجانا مع شراء الهدايا والبذخ بالانفاق.
ويحدد الباحث الكبير”حنا بطاطو” في كتابه الشهير “العراق” العوائل العراقية الغنية التي كانت تملك مليون دينار، او تجاوزت ثروتها هذا المبلغ قبل ثورة 1958،حيث قيام الجمهورية محل الملكية،ولايتجاوز عدد هذه العائلات والتي كان من ضمنها الملاكة اليهود ، والعدد لايتجاوز الـ 8 عوائل ، وفي مقارنة لطيفة بين ماكانت تملكه هذه العوائل في تلك الفترة والذي يعد رقما ضخما ،وبين رقم “المليون دينارعراقي” الان، فان هذا المبلغ الذي كان رقما كبيرا في خزانات الاثرياء وحساباتهم المصرفية وكان موضع فخر وتكبر طبقي  ، اصب حالان لايتعدى سعر “تلفون نقال من فئة الذكي” يحمله اي شاب عراقي في جيبه، اي ثروة اكبر التجار والملاكة قبل خمسين عاما في جيب اي شاب عراقي متوسط الحال او من الطبقة “البرجوازية” الوسطى كما يسميها علماء الاجتماع، وهذا كله يعود الى المبالغة في طبع العملات النقدية ذات الفئات الكبيرة التي تسببت في انخفاض القوة الشرائية لها .
ومازال اكثر العراقيين يحملون “الفئات النقدية القديمة ” في محفظاتهم الشخصية كتذكار لتلك المرحلة الذهبية ،وكذلك للتبرك بها كونها كانت لها قوة شرائية كبيرة جدا لاتضاهيها اية عملة اخرى باستثناء الدينار الكويتي، ويعدونها فاتحة خير للرزق لذلك تجدها مركونة تحت “الجام :” على منضدة الكاشير في اغلب المطاعم والافران الشعبية ، ويعتقدون انها تجلب الرزق عليهم.
وقد عملت الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال على مشروع حذف الاصفار من العملة المحلية، وارجاع هيبة الدينار العراقي وقوته الشرائية امام الدولار الامريكي او باقي العملات النقدية الاخرى ، لكن الامر يبدو ليس سهلا ، كون العراق مرتبط بالمنظمات النفطية مثل “اوبك” التي تفرض عليه شروطا وقوانين كانت وتكون اغلبها ليس في صالحه، وكذلك ارتباط الميزانية الحكومية للبلاد بسوق النفط العالمية التي لاتسمح باتخاذ اي خطوة دون الكشف عنها او مراجعتها.
و لجأت حكومة النظام المباد سابقا ومن ضمن سياستها النقدية الخاطئة، وبسبب فرض الحصار الاقتصادي على العراق، الى طرح العملة المحلية “الطبع” مقابل سحب العملة السوسرية من التعامل ،مما ادى الى تضخم العملة رقميا مع انخفاض قوتها الشرائية في السوق المحلية ،اضافة الى رفض التعامل بها خارجيا، وكانت تعمل في كل فترة تتعرض فيها الى خيبة او ضربة اقتصادية من الخارج الى طرح عملة جديدة بديلة عن الاولى ، مما سبب بخسائر كبيرة للتجار واصحاب رؤوس الاموال ، وفتح الباب واسعا امام تزوير العملة التي كانت تتم في العراق اومن  خارجه،وتحديدا من الدول المجاورة له.
Comments (0)
Add Comment