الأنهزام السياسي والمستقبل

تشوب العالم العربي اليوم ظروف مشابهه ، من حيث عدم الأستقرار وانتشار الأرهاب والخوف من المستقبل والنظر الى الأمور بمنظار كأننا مستهدفون ولا قبل لنا بالتحديات المصيرية  التي تواجهنا وقد بدأ سياسيونا يعلنون انهزامهم وعدم قدرتهم على السير بأتجاه الأمام وبتشاؤم مفضوح ، فهل نحن مقبلون على سبات تاريخي يشابه فترات الظلام التي مر بها العرب ، ام ان الأيام حبلى بما هو مفاجئ لنا وللآخرين.   الشباب هم الأمل :
كان حكم الديكتاتور هو السائد في البلاد العربية وقد عمر الكثير منهم حتى بلغ السأم مبلغه  منهم ومن طباعهم وخطبهم والكتابات التي تنسب اليهم و التي كانوا يفرضونها على الناس  ، وكانوا جميعهم يلعنون الأمبريالية والصهيونية ولكنهم تعايشوا معها ونفذ بعضهم مخططاتها أكثر مما أفاد شعبه ،ويمكن ان نقول انهم خدموا مواقعهم واستمرار وجودهم في الحكم بكل السبل التي تهيأة لهم ، ولم نجد بلدا ً عربيا ًواحدا ً شذ عن القاعدة  ،واصبح بلدا ً عصريا ً في الصناعة والتنمية  والتطور والأعتماد على الذات ،بما في ذلك مصر ،لقد كانوا مقولبين بقالب واحد هو قالب التحجر والأنكفاء  والأعتماد على الغير ،ومن يحاول تجاوز القاعدة فأنهم يقفون بالضد منه والأيقاع به !
واليوم يظهر على المسرح جيل من الشباب الذي يحاول اثبات الوجود بما يملكه الشباب من طاقات ومغامرة ولكنه يفتقد الى القيادة التي تلبي الطموح  ،وبالتالي ما ان ينتهي من الثورة وبعد ان يبذل الدماء العزيزة ويتصور ان النصر قد تحقق وانتهى كل شئ ، ينتبه الى ان الثورة قد صودرت وان دماء الثوار قد سرقت وان المسير بأتجاه يخالف الأهداف التي قاتل لأجلها . ووقتها ليس من السهل العودة ثانية لأن استولاد الثورات ليس بسيطا ً الى هذا الحد ،فينكفأ يائسا ً ، اذن الأنهزام يأتي من التعرض الى صدمة قوية يرى المتلقي خلالها ان كل جهوده السابقة ضاعت هباء وانه من الصعب العودة من نقطة الصفر ،انه يشبه ذلك الذي يتسلق الجبل وبعد جهد يصل قمته ثم تعيده الى الوادي طالبا ًمنه ان يصعد الى القمة  .
بعد الثورات لابد من ديمقراطية :
بعد الثورات والمقاومة التي تتمكن من زمام الأمور ،تبدأ مشاكل الديمقراطية ، والتي هي احدى الخيارات التي يحصل فيها سرقة جهود الثوار الحقيقين وبروز فئات طفيلية مجهولة المصدر والتمويل والأعتماد ،ان هذه الفئات بما يتوفرلها من دعم يكاد يكون خارجي ، تتمكن من تسلق هرم السلطة والوصول الى اعلى واخطر مواقع السلطة وبالتالي يصبح على الثورة والثوار السلام ،حيث ان السراق سيرددون شعارات الثورة ولكنهم ينهجون النهج المخطط له البعيد عن اهدافها .
ان هذا السيناريو هو افضل من سيناريو المرتزقة والطائرات والدعم المفضوح بأنواع السلاح والعتاد ،كونه اقل اثارة لعامة الشعب وبالتالي ضمان عدم انخراطهم في مقاومة جديدة ،كما ان الديمقراطية المموهة تولد مع الزمن التخدير المطلوب لروح المقاومة حتى بدون تقديم انجازات واضحة .
لو أخذنا الواقع العراقي بعد 2003  مثالا ً : سنجد ان الشعب  صحيح أنه لم يختر النظام الديمقراطي الذي قولب بالشكل الذي يظهر ان الديمقراطية تزهر في العراق ، ولكن كان  له فيها مجال اختيار واسع ،وقد توفرت له فرصة انتقاء العناصر المناسبة لقياد  البلاد وتولي المسؤولية ،فهل نجح العراقي سواء أكان في الجنوب أو في الشمال وسواء اكان محسوب على الطائفة الفلانية او العلانية ؟
ان نتائج الواقع الملموس تقول ان العراقيين لم يوفقوا في هذا المجال بدليل عدم  استتباب الأمان في بلادهم ، وبسبب استمرار  تهديد وحدتهم الداخلية ،وبسبب استمرارهم بالعوز والفاقة والحرمان ، ومقابل ذلك كانوا ينظرون الى ممثليهم الذين رفعوهم الى هذه المناصب وقد أثروا ثراءا ً فاحشا ً وأخذوا يركبون السيارات الفارهة المظللة لكي لايراهم الشعب ويستأثرون بالأمتيازات التي لاينالها أحد من عامة الناس والأهم انهم ينسون المسؤولية الملقات على عاتقهم تجاه الناس وينشغلون في المصالح الشخصية التي يجلبها الثراء المفاجئ الفاحش  ، وهذا مقياس واضح لفشل نوع الديمقراطية  المنفذ والذي لايعبر عن نهج خاص ببلاد الرافدين بقدر ما هو مستورد من الخارج  .
وحصل الفشل ذاته لديمقراطية مصر رغم أختلاف الظروف ، مما اضطر الشعب المصري الى تقديم تضحيات جديدة والمغامرة بوحدة البلاد من اجل التصحيح  ، وحصلت نفس الأنتكاسة في المغرب العربي .
ليس هناك من حل واضح يلوح في الأفق غير ان الصراع بين الحق والباطل هو صراع ازلي ولم يثبت الحسم لأتجاه دون الآخر على طول الخط ، وبالتالي فأن ما يظهر من تفوق نسبي اليوم لمعسكر الباطل هو بدون شك ، تفوق نسبي مؤقت لايلبث ان يزول وخاصة وان العالم اليوم يعيش عصر المعلومة في كل اتجاه ، فمن غير المعقول ان يعيش في الظلام كما حصل في عهود ماضية .
taherbakaa@yahoo.com

Comments (0)
Add Comment