سلسلة مقالات ما أوذي نبي مثلما أوذيت ح1بدايات الأذى

سلسلة المقالات هذه عبارة عن سيناريو لفلم وثائقي بنفس العنوان كان من المزمع إنتاجه من قبل قناة النعيم الفضائية نهاية العام الماضي كأحد الردود الحضارية على إنتاج فلم أمريكي مبتذل يسيء لرسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يكن في نيتي نشر هذا السيناريو ولا تجزئته لحلقات ولكن رؤيتي الليلة لصورة احد اصدقائي في مسجد النبي شوقني لأن أكتب شيء عن الحبيب فتذكرت هذا السيناريو وخطرت لي فكرة تجزئته ونشره على شكل حلقات للفائدة بعد إجراء بعض التعديلات البسيطة، وهذه هي الحلقة الأولى من هذه سلسلة الحلقات هذه.

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، هذا الخطاب القرآني، يختصر الهدف والاسلوب معاً، من بعثة خاتم الانبياء والرسل، محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جسد الرسولُ الرحمة في سلوكه أيما تجسيد.
ولكن نبي الرحمة هذا وكسيرة من سبقه من الانبياء والرسل والاولياء جوبه من قبل قومه وغيرهم بأشد حالات الصد والمواجهة منذ أول يومٍ بدأ فيه بتبليغ رسالة السماء والى يومنا الحاضر.
الانبياء والرسل اشد الناس معاناة، وتحملوا من اقوامهم ألواناً من العذاب ومع ذلك يقول نبي الرحمة في وصف حالته بأنه “ما اوذي نبي مثلما أوذيت”.
أي إنه صلوات الله وسلامه عليه اكثر انسان ذاق ولازال اشد حالات الاذى في سبيل غايته السامية وقد جاء في احد نصوص الرواية “ما أوذي أحدٌ مثل ما أوذيت” والنص الأول يقود للنص الثاني بكل تأكيد لأن أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل.

إساءة مشركي قريش:

بدأ مسلسل الاساءة والاذى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم مع بداية بعثته المباركة فجابهه قومه بالصد والقطيعة واشد حالات التنكيل والتجهيل.
فرفضوا سماع رسالته ووصفوه بأقبح الاوصاف وشككوا في نياته وهم بالأمس كانوا يسمونه الصادق الامين.
فتارة يكون بنظرهم معلم مجنون، وتارة هو شاعر نتربص به ريب المنون، وتارة يقولون أهذا الذي بعث الله رسولاً.
لم يقف الامر عند هذا الحد، أي أطلاق التهم، وإنما تعداه إلى محاولات الاستفزاز والأذى الجسدي فكانوا يرمونه بسلى الشاة والبعير اذا جلس قرب الكعبة او يضعونها على ظهره الشريف اذا صلى.
وليس أهل الطائف في وقتها بأقل أذى من أهل مكة أذ رموه بالحجارة حتى تورمت قدماه حين جاءهم داعياً الى الله.
وتعددت صور الأذى لتشمل كل مقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وكل مؤمن برسالته وأبت قريش إلا أن تختم هذا الفصل من سيرتها مع رسول الرحمة بمحاولة اغتيال دنيئة فشلت أثر هجرة الرسول الى يثرب تاركاً ورائه عضده وسنده أمير المؤمنين فدائي الاسلام الاول عليه السلام على فراشه للتمويه على المشركين.
وفي المدينة بدأ فصل جديد من الأذى لم ينتهي ظاهراً إلا بفتح مكة.

إساءة اليهود في بدايات البعثة:

من الفئات التي لم تفرح قط ببعثة رسول الرحمة، هي فئة اليهود التي ما إن سمعت ببعثة النبي حتى سلت سيف الحقد والكراهية عليه وعلى اتباعه ودخلت معه في مواجهة مباشرة في المدينة المنورة على الرغم من اتفاق التعايش، وتنوعت فصول تلك المواجهة وكان آخرها المواجهة التي اضطرت المسلمين الى فتح خيبر، ذلك الفتح الذي اودع قلوب محرفي التوراة أحقاداً خيبرية ستبين آثارها في المراحل التاريخية التالية، كما اودع قلوب غيرهم أحقاداً بدرية وحنينية.

إساءة منتحلي الإسلام:

توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ليبدأ فصل جديد من فصول الأذى والاساءة كان أبطاله الفئة الباغية من أمة رسول الله ومن تبعهم ومن مهد لهم، من خلال تحريف سنته والكذب عليه وتزوير التاريخ وتتبع عترته وأتباعهم قتلاً وتشريداً اينما حلوا وارتحلوا.
فأُقصي وصيه وماتت بنته كمداً وحزناً ودفنت سراً وهي تحمل راية الاعتراض والغضب إلى قبرها المخفي وكأنها تقول لمن أغضبوها لن تكون هناك فرصة ثانية.
وسارت الامة على غير الخط الذي رسمته السماء لها، واسست اسس الظلم والجور فكان أن نزت القردة والخنازير على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصار الطليق يتسمى بأمرة المؤمنين ، فسارت الامة في خط تسافلي في جرأتها على نبيها وصانع مجدها، وكانت واقعة كربلاء أبشع فصوله، فإذا بالأمة تقتل أبن بنت نبيها وتطوف برأسه وبرؤوس من معه وبنسائه البلدان فرحة مستبشرة ، واستمرت هذه الصورة من الاساءة والاذى وتعددت أشكال وأوقات المواجهة حتى مُلئت كتب التاريخ بأخبار تلك الاحداث ولعل كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني وأشباهه يختصر جزءاً من هذه الاحداث المؤلمة.
هذا الانحراف عن سير الرسالة لم يتخذ شكل القتل والتشريد لأتباع الرسالة الحقة واقطاب المواجهة مع قادة الانحراف فقط، وانما سُطرت الاف الروايات والقصص عن تعاليم رسول الله وسيرته في اكاذيبٍ قدمت للعالم ولازالت صورة مشوهة عن نبي الرحمة واعطت المبرر للبعض ممن أساء لاحقاً.
الكذب على رسول الله بدأ في حياته بدوافع مختلفة حتى اضطر الرسول صلى الله عليه وآله أن يقوم خطيباً في الناس ويقول: أيها الناس قد كثر علي الكذابة، فمن كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار، ثم كُذب عليه من بعده، كما يُنقل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام في جوابه لسليم بن قيس الهلالي.
وبعد وفاة رسول الله صار البعض يتاجر بصحبته للنبي العظيم فيؤلف الروايات والقصص تزلفاً لهذا الطرف أو ذاك أو اشتباهاً او صنعاً لمجدٍ شخصي أو غير ذلك، حتى إن عمر بن الخطاب ضرب بعضهم بالدرة او نهاه عن الحديث وهدده بالنفي كما حصل مع أبو هريرة وكعب الاحبار وغيرهم لكثرة رواياتهم عن رسول الله بالغريب.
وامتدت رواياتهم لتشمل كل جوانب حياة الرسول صلى الله عليه وآله وتاريخه قبل البعثة وبعدها وجملة من آراءه وتصرفاته مع المسلمين وغيرهم بل وحتى حياته الخاصة.
ولما تسلط معاوية على امور المسلمين اسس ما يشبه الهيئة لافتراء الاحاديث على رسول الله، فكلف مجموعة منهم ابو هريرة وسمرة ابن جندب وآخرين لتأليف جملة من الروايات على لسان رسول الله في مدح قومٍ وذم قومٍ آخرين، ونسبة أفعال وأقوال الى رسول الله لا تليق بمقامه الشريف. ودفع الاموال وقدم الاغراءات في سبيل تأليف هذه الروايات ونشرها ومنع نشر ما يخالفها مما يمثل السيرة الصحيحة لرسول الله. وقد كانت أهداف معاوية ومن تبعه من ملوك بني أمية وبني العباس الذي تلقوا هذه الروايات بالقبول هي تبرير أفعالهم المخالفة للشريعة وجرائمهم التي يندى لها الجبين من خلال التقليل من شأنية رسول الله صلى الله عليه وآله وتقديمه بصورة مشوهة.
وصارت هذه الاحاديث تنتقل من فم الى فم حتى استقرت في الكتب والمؤلفات وفي مقدمتها صحيح مسلم وصحيح البخاري وبعض كتب السير والمجاميع الحديثية لمختلف المذاهب الاسلامية بنسب مختلفة.
هذه المرويات التي لا بد من الوقوف عليها وتمحيصها وعرضها على القرآن الكريم والصحيح من مرويات النبي وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم كانت ولازالت مادة دسمة ينهل منها ومن غيرها من شاء ان يسيء الى رسول الله.

رشيد السراي
22/9/2013

 

Comments (0)
Add Comment